المعروف والمنكر:
ثم إنه ينبغي الالتفات إلى أن ما نتحدث عنه في المقام ليس مطلق المعروف والمنكر، بحيث يتصور أننا نقصد بذلك المعروف والمنكر العرفيين، أو اللغويين، وإنما نقصد الحديث عن المعروف والمنكر الشرعيـين، فلا يشمل حديثنا مطلق المعروف وإن ورد نهي عنه من قبل الشارع المقدس، ومثل ذلك الكلام في المنكر، فلاحظ.
حكم الأمر والنهي:
ويختلف حكم الأمر بالمعروف حسب الشيء المأمور به والمنهي عنه، لأنه إما أن يكون المأمور به واجباً، أو يكون مستحباً، فإن كان الأول، كان الأمر بالمعروف واجباً، كما لو أمره بالإتيان بالصلاة، أو أمره بالإتيان بالحج، أو أمره بأداء الخمس، أو ببر الوالدين، أو بصلة الرحم الواجب، وهكذا.
أما لو كان الثاني، أعني المستحب، فسوف يكون الأمر بالمعروف حينئذٍ مستحباً، كما لو حثه على أداء صلاة الليل، أو أداء العمرة الرجبية، أو على صلاة الجماعة، وما شابه ذلك.
ومعنى كون الأمر بالمعروف مستحباً، أن الآمر به يستحق الثواب على فعله، ولا يستحق العقاب على تركه.
وكذا قد يكون المنهي عنه محرماً، كما لو نهاه عن ترك الصلاة، أو نهاه عن عقوق الوالدين، أو قطيعة الرحم، وقد يكون المنهي عنه مكروهاً، بمعنى قلة الثواب في فعله، فلو كان الأول، كان النهي عنه واجباً، أما لو كان الثاني، فإنه يكون مستحباً، فلاحظ.
وبالجملة، يمكننا تقسيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى قسمين:
الأول: يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهما واجباً، وذلك إذا كان المأمور به واجباً، أو كان المنهي عنه محرماً.
الثاني: يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهما مستحباً، وهذا إذا كان المأمور به مستحباً، أو كان المنهي عنه مكروهاً.
كيفية أداء المعروف المستحب:
هذا ومقتضى كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحباً يستوجب أن يراعي الآمر جانبين:
الأول: الأسلوب المتبع في عملية الدعوة للمعروف المستحب.
الثاني: المادة التي تطرح في هذا القسم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ففي الجانب الأول، عليه أن يتخذ أسلوب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، متخذا أسلوب كمال الرفق ولين الجانب، من أجل تحبيب المأمور في هذا الأمر وترغيبه في فعله وتحقيقه خارجاً. وعليه أن يتخذ أسلوب الحذر من أن يكون أسلوبه موجباً لإيذاء المأمور به، أو داعياً لحصول الإهانة إليه، فضلاً عن أن يكون منفراً له.
وفي الجانب الثاني، عليه أن يراعي ما يكون ذا مقبولية عنده، ويمكنه أن يحققه، فلا يثقل عليه بما لا يكون معتاداً عليه، فيلزمه بأداء صلاة الجماعة في جميع الفرائض الخمس، أو يحثه على أن يداوم الصوم كل اثنين وخميس من كل شهر، أو أن يكون من المساهمين في جميع المشاريع الخيرية، وهكذا. فإن الإثقال عليه في هذا الجانب، قد يزهده في الدين، ويجعله يرغب عنه. ويؤيد ما ذكرنا، ما روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال لبعض من سأله-في حديث-: إنه كان رجل مسلم وكان له جار كافر، وكان الكافر يرافق المؤمن فلم يزل يزين له الإسلام حتى أسلم فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منـزله فذهب به إلى المسجد ليصلي مع الفجر جماعة، فلما صلى قال له: لو قعدنا نذكر الله حتى تطلع الشمس فقعد معه فقال له: لو تعلمت القرآن إلى أن تزول الشمس وصمت اليوم كان أفضل، فقعد معه وصام حتى صلى الظهر والعصر، فقال له: لو صبرت حتى تصلي المغرب والعشاء الآخرة كان أفضل، فقعد معه حتى صلى المغرب والعشاء الآخرة ثم نهضا، وقد بلغ مجهوده وحمل عليه ما لا يطيق، فلما كان من الغد غدا عليه وهو يريد مثل ما صنع بالأمس، فدق عليه بابه، ثم قال له: اخرج حتى نذهب إلى المسجد، فأجابه أن انصرف عني فإن هذا دين شديد لا أطيقه فلا تخرقوا بهم، أما علمت أن إمارة بني أمية كانت بالسيف والعسف والجور، وإن إمامتنا بالرفق والتآلف والوقار والتقية وحسن الخلطة والورع والاجتهاد، فرغبوا الناس في دينكم وفي ما أنتم فيه[1].
[1] وسائل الشيعة ب 14 من أبواب الأمر والنهي ح 9.