تمهيد:
من الأمور الفطرية المركوزة في طبيعة الإنسان، الدفاع عن النفس وعما يتعلق بها، وقد أيدّ الشرع هذا الأمر، وأمر المكلف به وحثه عليه، مرغباً بالثواب على فعله ومتوعداً بالعقاب على تركه.
والسر في هذا يعود للأهمية القصوى لهذا الأمر في سعادة الإنسان ونهوض الأمم واستقرار المجتمات.
والظاهر أن هذا الواجب لا يقل أهمية عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن لم يزد عليه، فإنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ندافع عن الدين والقيم، وبالجهاد الدفاعي ندافع عن وجود الإنسان والمجتمع والوطن، وهي من الأهمية بدرجة عالية.
ثم إنّا قد خصصنا الحديث عن الدفاع، بخصوص الجهاد الدفاعي، ولم نتعرض للجهاد الابتدائي، لأن الجهاد الابتدائي لا يرجى تهيؤ ظروفه قبل ظهور الإمام الحجة المنتظر المهدي(عج).
س:هل ينحصر الجهاد الدفاعي في خصوص الدفاع عن النفس وتوابعها، أي المال والعرض؟…
ج:لا ينحصر الجهاد الدفاعي في خصوص الدفاع عن النفس وتوابعها من المال والعرض، بل يتعداه إلى الدفاع عن الغير سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، فكما يجب في الدفاع عن النفس، يجب في الدفاع عن الغير.
س:هل ينحصر الدفاع في خصوص حالة دفع المخاطر المتوجهة إلى النفس مباشرة؟…
ج:لا ينحصر الأمر في ذلك، بل يشمل حتى المخاطر التي تلحق المكلف بطريق غير مباشر، وهي المخاطر التي تلحق المجتمع بوجوده المعنوي العام، كالمخاطر التي تتهدد الأرض التي يسكن عليها ويستقر فيها، بما هي كيان وطني مستقل له مداه الملحوظ في الشرع، وله توابعه الأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها من الأمور الحيوية والضرورية لقيام الفرد والمجتمع بوظائفه المنوطة به من الله تعالى.
س:ما هو حكم الدفاع عن النفس ضد المخاطر الشخصية؟…
ج:الدفاع عن النفس ضد المخاطر الشخصية، قد يكون واجباً عينياً في بعض الأحيان على المكلف القادر على الدفاع، وقد يكون جائزاً في أحيان أخرى، فإن عجز المكلف عن رد الخطر عن نفسه وجب على غيره رده عنه بالوجوب الكفائي.
الدفاع عن الوطن:
س:ما هو حكم الدفاع عن الوطن؟…
ج:الأصل أن الدفاع عن الوطن ونحوه من الأمور العامة، واجب بالوجوب الكفائي، لكن قد يتحول في بعض الأحيان إلى الوجوب، بالوجوب العيني.
الدفاع عن النفس ومتعلقاتها:
س:ما هو المراد من الدفاع عن النفس وعن متعلقاتها؟…
ج:المراد من ذلك دفع المخاطر المتوجهة إلى نفس المكلف، أو نفس غيره ممن يتعلق به، أو يتعلق به من سائر المسلمين وغيرهم.ونعني بالأمور المتعلقة بالنفس الأموال، والعرض.
الدفاع عن الذات:
س:ما هي وظيفة المكلف تجاه الضرر الموجه إليه؟…
ج:يجب على كل مكلف، رجلاً كان أم امرأة، دفع الضرر المتوجه إليه من الغير، سواء كان مصدره إنساناً، أم كان مصدره حيواناً، أو شيئاً آخر غيرهما من المخاطر الطبيعية الأرضية أو السماوية.
س:هل يجوز للإنسان أن يوقع الضرر بنفسه؟…
ج:يحرم على الإنسان إيقاع الضرر بنفسه، ويجب عليه ترك ذلك، وحفظ نفسه من الإضرار.
س:ما هو حد الضرر الواجب عليه دفعه عن نفسه وحمايتها منه؟…
ج:حد الضرر الواجب دفعه وحماية النفس منه، هو ما يحرص عامة العقلاء على دفعه عن أنفسهم، وأعلاه الموت، ثم ما يشبه الموت من الأضرار الكبرى، كالإغماء الدائم، أو الشلل أو الجنون، أو العمى، أو غير ذلك من الأمور المستلزمة لتعطل الأعضاء والوظائف الرئيسة في الجسم، ولذا لا يجوز للإنسان أن يتبرع بعين من عينيه مثلاً، أو يتبرع بقلبه، من اجل إنقاذ شخص مؤمن.
وبعد هذا الجروح والحروق البليغة، أو الكسور والأمراض والأوجاع والصعبة، ونحو ذلك من مراتب الإضرار بالنفس التي تـتجاوز الحد الأدنى في الأذى والإيلام.
س:هل يجب حفظ النفس من مثل الخدوش واللطمات والرضوض والأوجاع البسيطة الناتجة عن مثل حرقة المعدة أو السعال أو الحساسية الجلدية أو نحو ذلك؟…
ج:ذكرنا أن الضابطة هي ما يحرص عامة العقلاء على دفعه عن أنفسهم، والظاهر أن جميع هذه الأشياء مما لا يحرص العقلاء على تجنيب أنفسهم منه، فلا يجب حفظ النفس منه وتجنيبها إياه.
س:هل يدخل في المخاطر التي يجب تجنيب النفس إياه، ما لو تعرض الإنسان رجلاً، كان أم امرأة لعدوان جنسي؟…
ج:نعم من المخاطر الواجب دفعها ما إذا قصد المهاجم الإنسان بعدوان جنسي.
س:هل من الموارد التي يجب دفعها عن النفس، ما إذا قصد الإنسان باعتداء على كرامته وحرمته المعنوية؟…
ج:نعم، من الموارد التي يجب دفعها عن النفس الاعتداء على كرامته وحرمته المعنوية، بمثل الأعمال المؤدية إلى السخرية منه، والاستهزاء به، وإقلاق راحته، وحجز حريته، ونحو ذلك مما لا يترتب عليه أذى مادي ظاهر، بل يكون أذاه معنوياً باطنياً.
س:هل من موارد الاعتداء على حرمات الإنسان بتسلق داره، أو إحداث ثقب في جدارها؟…
ج:إن من موارد العدوان على الحرمات ما لو عمد شخص إلى تسلق دار إنسان، أو أحدث ثقباً في جدارها، أو استخدم الناظور المقرب، أو وضع أجهزة تنصت أو تصوير، وذلك بهدف مراقبته، وكشف أسراره، ومشاهدة حريمه، فإنه يجوز له، وقد يجب عليه، دفعه ومنعه من فعل ذلك، فإن توقف دفعه على الجناية عليه أو إتلاف ماله، لم يكن عليه ضمان.
س:هناك مجموعة من الضرار، ألف الناس إيقاع أنفسهم فيها، كتدخين التبغ، أو الأضرار التي يوقعها الناس بأنفسهم لدواعٍ دينية، كضرب السيف، أو جرح الجسد، أو حرقه حزناً على الإمام الحسين(ع)فهل تستثنى هذه الأمور من الحرمة؟…
ج:لا يستثنى أي شيء من ذلك، لأن المعيار هو انطباق عنوان الضرر، فمتى انطبق عليه ذلك، فإنه يحرم إيقاع النفس فيه حتى لو صار مألوفاً أو مغلفاً ببعض التقاليد الدينية التي لم يأمر الشرع بها.
س:لو كان هناك ضرر، لا يدفع إلا بارتكاب ضرر آخر فما هو الحكم حينئذٍ؟…
ج:في مثل هكذا حالة، يجب ارتكاب الضرر الأقل، إذا كان دفع الضرر الأكثر متوقفاً عليه، بل قد يجوز، أو يجب إهلاك النفس في مقام دفع الضرر الأكثر إذا كان دفعه متوقفاً على ذلك، كما في العمليات الإستشهادية.
دفع الخطر:
س:كيف يمكن دفع الخطر؟…
ج:دفع الخطر له مرتبتان:
الأولى:بالتوقي والتحصن منه واستخدام الحيلة لدفع عدوانه وخطره، وهذا هو الأصل في دفع المخاطر الطبيعية عن النفس، كأضرار الحر والبرد والأوبئة والسباع وغيرها.
وإذا كان المعتدي إنساناً أمكن التخلص من عدوانه بالتحصن في بيت، أو بتنبيهه بمثل السعال والكلام إلى كونه مستيقظاً ومستعداً له، أو بالفرار منه وتغيـيب نفسه عنه.
فإنه يجوز فعل ذلك إذا لم يترتب عليه ذلة وهتك لحرمته أو غيرهما من العناوين الموجبة للحرمة، بل قد يجب ذلك إذا كان فيه سلامة المعتدي وسلامة المعتدى عليه، في مثل موارد غضب الرحم على رحمه، أو كون المهاجم مجنوناً، أو غيرها من الموارد.
نعم ما ينبغي التوجه له، هو أن حالات هذه المرتبة ومواردها كثيرة ومتنوعة، بل إن بعضها معقد ومربك، لذا فإن على المكلف أن يكون دقيقاً في تشخيص ما يناسب حالته.
وعليه في مقام التطبيق، أخذ جانب الحيطة والورع، وأن يكون عالماً بالشريعة.
الثانية:مبادرة المهاجم بالهجوم المضاد، ودفع خطره بالوسائل المادية المتوفرة، حتى لو كان ذلك بشيء دون قتله.
س:هل يجوز للإنسان في مقام رد هجوم المهاجم، استخدام أي وسيلة؟…
ج:إذا كان الإنسان في مقام رد هجوم المهاجم، فله أن يستخدم كل وسيلة بين يديه من أجل رد خطره ودفع العدو، حتى لو أدت إلى إيقاع الضرر البالغ بالمعتدي، أو أدت إلى قتله.
س:إذا كانت هناك وسيلتان لدفع هجوم المعتدي،إحداهما لا تؤدي إلى قتله،بينما تؤدي الأخرى إلى ذلك،فماذا على المهاجم أن يختار؟…
ج:يجب على المدافع إذا أمكنه أن يترقى في الدفاع من الأخف إلى الأشدّ، ونعني بالإمكان أن يكون المدافع قادراً على إدارة المواجهة من حيث القدرة البدنية والأدوات والزمان والمكان بتلك الطريقة من التدرج، وذلك مقابل حالة عدم الإمكان، وهي الحالة التي يكون فيها المدافع مرتبكاً أو خائفاً أو فاقداً للأدوات المناسبة، ونحو ذلك من الأمور التي تعجزه عن الدفاع بتدرج.
س:كيف يمكن أن يتحقق التدرج؟…
ج:تختلف كل حالة عن الحالة الأخرى بلحاظ التدرج المتصور بالنسبة إليها، ويمكننا تحديد ذلك كالتالي:
أولاً:باللجوء إلى وسيلة دون الضرب، وذلك مثل:عزل النفس عن المعتدي، بمثل الدرع أو إغلاق الباب، أو الصراخ أو إطلاق النار في الهواء، أو التلويح باليد أو السلاح، أو نحو ذلك.
ثانياً:ضربه باليد أو العصا على الأماكن الأقل إيلاماً، متدرجاً فيه إلى الأماكن الأكثر إيلاماً، كما أن عليه التدرج في قوة الضرب مما لا يترك أثراً إلى ما يترك أثراً، كالاحمرار، ثم الإزرقاق ثم الإسوداد، وهكذا إلى استخدام الأدوات الحادة بقصد إصابته بجروح خفيفة ثم بالأعمق.
ويلتفت إلى ما بين الجروح العميقة والكسور من مراتب، فيتدرج إلى آخر المراتب.
س:لو كان المدافع يعتقد أن المهاجم، لا يندفع إلا من خلال الأشدّ، فهل يمكنه الانتقال مباشرة إلى ذلك، أو يلزمه متابعة هذا الترتيب؟…
ج:إذا اعتقد أن المهاجم لا يندفع إلا بالأشد، جاز له فعل الأشدّ مباشرة.
س:إن لم يتمكن المدافع من تحديد المرتبة الأخف، بسبب طبيعة الوضع وتعقيدات الدفاع فماذا عليه أن يفعل؟…
ج:في مثل هكذا حال، يجوز له أن ينتقل للمرحلة الأشدّ أيضاً.
س:من هو المرجع في تحديد كون هذا الشيء، هو الأشدّ أو هو الأخف؟…
ج:هذان كبقية المواضيع الشرعية التي لم يرد فيها تحديد من الشارع المقدس، فيكون المرجع فيها هو العرف.
ضمان المدافع:
س:هل يضمن المدافع ما يتلفه من المعتدي، نتيجة جروح أو حروق أو كسور، أثناء دفاعه؟…
ج:إذا كان المدافع قد التـزم الأسلوب المشروع في الدفاع، فلم يعتدِ على المهاجم، ولم يفرط في الدفاع عن نفسه، فإنه لا يكون ضامناً لما يصيبه من الجروح أو الكسور، أو تلف في أمواله، كثيابه، ودابته ونحوهما.
أما إذا لم يلتـزم المدافع الأسلوب المشروع في الدفاع، فتعدى أو فرط، فإنه يكون ضامناً.
الجناية خطأ:
س:لو اعتقد شخص أن آخر يريد العدوان عليه فدفعه، فجنى عليه، ثم تبين خطأ ذلك فماذا عليه؟…
ج:في مثل هكذا مورد، يكون ضامناً لما جناه عليه في نفسه وماله، نعم لا يكون آثماً لأنه لم يكن متعمداً لذلك.
س:ما هي الشروط التي يجب توفرها لكي يجوز أو يجب الدفاع؟…
ج:الشروط التي لابد من توفرها هي:
الأول:أن يحرز المدافع أن الخصم يريده بالأذى، فلا يكفي للدفاع أن يظن أو يحتمل أنه يريد به ذلك.
الثاني:أن يحتمل التغلب على الخصم في الحد الأدنى، فإذا اعتقد عدم قدرته من التغلب عليه، لم يجب عليه الدفاع حينئذٍ.
نعم لو كان في ترك الدفاع مفسدة أعظم من التصدي، ولو انهزم وجب الدفاع.
الثالث:أن لا يقطع بالقتل، فإذا أدى دفع الجرح أو القتل عن نفسه إلى قتل نفسه لم يجب عليه الدفع، وإن جاز له.
أما في الموارد التي يجوز له الدفاع فيها، كما في مورد الدفاع عن المال فإنه يحرم الدفع إذا أدى إلى قتله، وإلا بقي على جوازه فيما دون القتل من الكسر والجرح مثلاً حتى لو كان ما يترتب على الدفع أكثر خطراً وضرراً مما يريد دفعه عنه.