القسم الثالث
كان كلامنا فيما تقدم حول تحقق السفر من المكلف حتى يتسنى له التقصير في الصلاة والإفطار في الصيام،ثم تعرضنا بعد ذلك إلى بيان الأمور التي تسبب قطع السفر،فتمنع عن أن يترتب عليه أثره من التقصير والإفطار.
ونود الآن الحديث عن الأمور التي ينبغي توفرها في السفر حتى يؤثر تأثيره فيجب على المسافر التقصير في الصلاة والإفطار في الصيام،فمن الأمور التي تعتبر فيه مثلاً أن يكون السفر مباحاً فلو كان سفر معصية لا يسوغ للمسافر حينئذٍ التقصير،بل يكون مستثنى منه،ولهذا نحتاج بيان هذه الأمور المعتبرة لتحقق التقصير.
من يستثنى من حكم التقصير:
هناك بعض الأفراد لا يسوغ لهم أن يقصروا في صلاتهم،ولا أن يفطروا في صيامهم،بل عليهم أن يبقوا على الصلاة تماماً،والصيام،وهؤلاء هم الذين يستثنون من حكم القصر وهم عدة أفراد نشير لهم تباعاً.
المسافر في معصية:
وهو من كانت غايته من السفر إما ترك الواجب،كالفرار من أداء دين مستحق مطالب به مع قدرته على أدائه ودفعه لصاحبه في خصوص الحضر.
أو كانت غايته من سفره ارتكاب محرم كالزنا،أو قتل النفس بغير حق،أو السرقة،أو الوشاية بمؤمن،ونحو ذلك.
أو كان نفس السفر حراماً كمن حلف أن لا يسافر في يوم الأحد مثلاً فخالف وقام بالسفر فيه.
فكل من كان سفره من هذه الأفراد الثلاثة كان سفره سفر معصية،فلا يرخص له في التقصير في الصلاة كما لا يحق له الإفطار من الصيام مهما قطع من مسافة،بل يجب عليه أن يصلي تماماً كما أنه يجب عليه أن يصوم نهاره،مثله مثل الحاضر في وطنه.
س:إذا سافر الشخص سفراً محللاً،لكن صادف وعمل الحرام في أثناء سفره،فهل يسمى هذا السفر سفر معصية،فلا يجوز له التقصير والإفطار؟…
ج:إذا كان باعث السفر أمراً مباحاً لكنه صادف وفعل الحرام كالغيـبة مثلاً فلا يسمى هذا السفر سفر معصية،بل يكون مسافراً فيجب عليه التقصير والإفطار.
س:لو سافر الإنسان في سيارة مغصوبة فهل ييتم صلاته أو يقصر؟…
ج:إذا كانت وسيلة النقل التي سافر بها مغصوبة،وكان يقصد الاستيلاء عليها والفرار بها من صاحبها وجب عليه الإتمام والصيام ولا يجوز له التقصير،أما لو لم يكن قصده ذلك،فيجب عليه التقصير والإفطار،لكنه مأثوم باستخدام المغصوب.
س:لو سافر لغاية تتضمن الحلال والحرام،فما هو حكمه حينئذٍ،هل يقصر،أو يتم؟…
ج:إذا كان سفره متضمناً للحلال والحرام،كمن سافر من أجل التجارة،أو سافر من أجل النـزهة والترويح عن النفس،وهو يعلم من نفسه أنه سيرتكب الحرام في نفس الوقت،وجب عليه أن يتم الصلاة،ولا يجوز له أن يفطر من الصيام.
س:بعض الناس يسافر لغاية حلال،كمن سافر من أجل الزيارة،لكنه يعلم أنه سيرتكب الحرام،لكنّ فعل الحرام عنده أمر ثانوي وليس أمراً أساسياً،فهل يسوغ له التقصير؟…
ج:إذا كان قصد الحرام ثانوياً بمعنى أنه ليس شيئاً أساسياً وذا أهمية عنده،بحيث أنه لم يسافر من أجله فقط،فهذا وظيفته هي التقصير والإفطار.
العائد من سفر المعصية:
س:عرفنا أن من سافر سفر معصية ليس له حق التقصير والإفطار،فإذا عاد هذا المسافر من سفر المعصية،فكيف يصلي في الطريق إلى بلده،هل يصلي قصراً أو تكون صلاته تماماً؟…
ج:العائد من سفر المعصية إذا كانت المسافة التي سيرجعها مسافة امتدادية،ولم يكن سفر الرجوع حراماً في نفسه،كأن لم يكن راكباً في سيارة مغصوبة للفرار بها من صاحبها،فوظيفته التقصير والإفطار،أما إذا لم يكن كذلك بمعنى أن سفر رجوعه كان محرماً في نفسه لكونه قد ركب سيارة مغصوبة ليفرّ بها عن أصحابها،وجب عليه الإتمام.
س:هل يشترط في التقصير في الرجوع من سفر المعصية،أن يكون المسافر قد تاب من معصيته،حتى يسوغ له التقصير،فلو لم يكن قد تاب منها لا يسوغ له ذلك؟…
ج:لا يشترط في التقصير في الرجوع من سفر المعصية أن يكون الراجع قد تاب من معصيته،بل يكفي توفر الشروط المعتبرة ليسوغ له التقصير.
س:متى يتحقق من المسافر سفر معصية، سفر الرجوع لكي يشرع في التقصير؟…
ج:يتحقق سفر الرجوع من المسافر سفر المعصية بمجرد صدق عنوان المسافر عليه،ويشرع في التقصير بمجرد ابتداء سيره في سفر العودة،حتى لو لم يخرج بعدُ من البلد.
س:قد يسافر الشخص في البداية بقصد السفر المحلل،وفي أثناء الطريق يقصد المعصية،فما هو حكمه حينئذٍ؟…
ج:إذا كان ابتداء سفر المسافر مباحاً،ثم قصد المعصية في أثناء الطريق،كمن سافر لتجارة الملابس،وفي الطريق غيـّر قصده إلى تجارة المسكرات،فإن استمر على قصده الجديد وهو تجارة المسكرات،كان سفره سفر معصية فعليه الإتمام.
أما لو عاد إلى قصده الأول وهو السفر المباح،فوظيفته هي التقصير،فعليه أن يقصر في صلاته حتى لو لم يكن الباقي من الطريق مسافة شرعية،لأن فترة تغير قصده لا تلغي المسافة التي قطعها خلالها،فتحسب مع مجموع المسافة.
س:إذا تغير قصد المسافر من السفر المباح إلى السفر المحرم،فما هو حكم صلاته التي صلاها قصراً قبل تغير نيته؟…
ج:لا تصح منه صلاته التي صلاها قصراً قبل العدول،بل عليه أن يعيدها تماماً إذا كان الوقت باقياً،ويقضيها إذا انتهى الوقت.
س:لو كان ابتداء سفره معصية،ثم تاب في الأثناء وعدل إلى السفر المباح،وظل على توبته،فما هو حكمه حينئذٍ؟…
ج:إذا كان في بداية سفره سفر معصية،لكنه تاب وصار سفره سفراً محللاً،فوظيفته الصلاة قصراً إذا كان الباقي مسافة،ولو بالتلفيق بأن يضم للمسافة المتبقية المسافة التي سيقطعها في رجوه،كما سبق تفصيل ذلك في القسم الأول.
س:ما هو حكم صلاته التي صلاها في هذه الحالة تماماً؟…
ج:صلاته التي صلاها تماماً قبل أن يعدل إلى السفر المباح،تكون غير صحيحة فعليه أن يعيدها إذا كان الوقت باقياً،أما لو انتهى الوقت فلا يجب عليه القضاء.
س:لو عاد مرة أخرى إلى قصد المعصية فهل يتحول سفره إلى سفر معصية،فيلزمه الصلاة تماماً؟…
ج:إذا عاد إلى قصد المعصية تحول سفره إلى سفر معصية فيلزمه عندها الصلاة تماماً،وهكذا إذا تاب تحول سفره إلى سفرٍ مباح،فإن عاد إلى نية المعصية تحول إلى سفر معصية.
س:بعدما تاب المسافر فرجع عن سفر المعصية إلى السفر المباح،متى يشرع له التقصير؟…
ج:من تاب في الأثناء ولزمه التقصير،إنما يشرع في القصر بعدما يتحرك ويسير،لا قبل ذلك،فلا يسوغ له التقصير أثناء استراحته،بل عليه أن يصلي أثناء الاستراحة تماماً.
س:بعد ما وصل المسافر إلى المكان الذي كان قاصداً له في سفره،تغيرت نيته من السفر المباح إلى سفر المعصية،مثلاً وصل إلى البلد الذي كان ذاهباً له من أجل استيراد بعض الملابس لكي يتاجر فيها،فلما وصلها تغير قصده فصار يبحث عن ارتكاب الفاحشة وترك عملية استيراد الملابس،فهل يضر هذا بحكم القصر عليه؟…
ج:إذا كان تغير قصد المسافر بعد وصوله إلى مقصده الذي خرج من أجله،لم يكن ذلك ضاراً في بقائه على القصر،فيـبقى عليه إلى أن يغادر ذلك المكان.
فإذا غادر ذلك المكان منشئاً سفراً جديداً في معصية كان ذلك السفر سفر معصية فيلزمه حينئذٍ الإتمام في الصلاة.
الصيد اللهوي:
الصيد اللهوي هو:أن يلهو الصائد بالصيد، بمعنى أن لا ينـتفع به كأن يصطاد ثم يلقي الصيد جانباً،فكأنه يصطاد فقط لأجل أن يملأ شيئاً من الفراغ عنده.
وقد وقع الخلاف بين علمائنا في أن المسافر من أجل الصيد اللهوي هل يسوغ له التقصير والإفطار،أو أنه لا يسوغ له ذلك فحكمه حكم المسافر في معصية؟…
فقال كل جماعة منهم بقول من هذين القولين،كما أنهم اختلفوا أيضاً في أن هذا الصيد اللهوي محرم أو لا.
ثم إنه بناء على أن المسافر للصيد اللهوي لا يسوغ له التقصير والإفطار،يمكن أن يلحق به كل سفر في باطل لا يرى العقلاء أن له وجهاً حسناً.
نعم لو سافر من أجل أن يصطاد لقوت نفسه وعياله،كأن يكون ما يصطاده طعام لهم،أو أنه يصطاده من أجل التجارة،فإنه لا يدخل في صيد اللهو،ولا يكون السفر إليه سفر معصية،فيقصر المسافر في صلاته ويفطر نهاره لو كان صائماً.
التابع للجائر:
الشخص الذي يتبع جائراً في سفره،له حالتان:
الأولى:أن يكون مكرهاً في تبعيته له،بمعنى أنه مجبور على إتباعه وليس له حرية عدم متابعته وملازمته في سفره،فهذا عليه أن يقصر في الصلاة،كما عليه أن يفطر نهاره في الصيام.
ومثل ذلك لو كان تبعه من أجل غرض صحيح،كدفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره،فإنه يقصر ويفطر.
الثانية:أن يكون قد تابعه من أجل أن يكون من ضمن رجاله وأعوانه الذين يظلمون الناس،فهذا عليه أن يتم صلاته،ولا يسوغ له الإفطار في الصيام،حتى ولو كان سفر الجائر مباحاً،كما لو سافر الجائر لحج بيت الله الحرام،فإن الجائر يقصر،لكن هذا التابع وظيفته هي التمام.
كثير السفر:
هذا الاصطلاح ورد في تعبير بعض العلماء دون البعض،فقال بعضهم بأن المدار عليه،بحيث من كان كثير السفر فلا يسوغ له التقصير والإفطار،بينما لم يعول عليه آخرون،ونحن نشير لذلك مع ملاحظة الاختلاف المتصور بين القولين.
هذا ومرادنا من كثير السفر،أو دائم السفر: كل من يتكرر منه السفر بنحو يكثر السفر منه ويصير ديدناً له وحالة دائمة،شرط أن لا يكون له فترة يعتد بها ينقطع فيها عن السفر فيقول العرف له أنه ليس كثير السفر.
ويمكن أن نطبق هذا العنوان على:
عمله السفر:
من كان نفس السفر مهنة له وعملاً،كسائق السيارة أو الطائرة،أو من كان معاوناً لهما،ونحوهم ممن يتخذ الانتقال من بلد إلى بلد مهنة له وعملاً،وذلك لنقل أو جلب البضائع،أو غير ذلك،فهذا حكمه التمام في الصلاة في الذهاب والإياب وفي مكان عمله،كما يصح منه الصوم.
س:هل يعتبر في من عمله السفر الاستمرار على مدار العام؟…
ج:لا يشترط فيمن عمله السفر استمرار السفر منه على مدار العام،بل يصدق على من اتخذ السفر له مهنة في بعض العام كمن صار عمله السفر في فصل معين من السنة،أو في موسم معين،كالحج،لكن شرط أن لا يكون السفر لمدة ضئيلة لا يعتد بها كالأسبوع والأسبوعين،بل كان أكثر من ذلك،أو كانت مدة السفرة الواحدة قليلة،ولكنه يسافر مرات متعددة خلال السنة،كالمرشد الديني الذي يذهب للحج والعمرة وزيارة المقامات المقدسة للأئمة الطاهرين(ع)،مراراً متعددة في كل عام بحيث يصدق عليه أن عمله السفر،فهؤلاء جميعاً وظيفتهم التمام.
س:قد يحصل أن يسافر من كان عمله السفر سفراً لغير عمله،كما لو سافر مع أهله من أجل الزيارة،أو سافر لنقل أثاث صديق له مجاناً،أو سافر من أجل علاج مريض له،فما هو حكمه؟…
ج:اختلف الفقهاء في مثل هذا المورد،فمن قال أن المدار في الإتمام أن يكون عمله السفر،يقول أن هذا لما كان خارجاً عن عمله فوظيفته القصر،أما من قال أن المدار في الإتمام على كثرة السفر،فيقول أن وظيفته هي التمام،وإن كان هذا الأمر خارجاً عن عمله لكن لما صدق عليه أنه كثير السفر كان ذلك داعياً إلى وجوب التمام عليه.
س:من كان عمله السفر في موسم معين،فسافر في غير ذلك الموسم،فما هو حكمه؟…
ج:من كان عمله السفر في موسم معين،كمن يعمل سائقاً للباص في خصوص أيام الإجازات للذهاب بالزوار للمراقد الطاهرة للأئمة(ع)أو كان يعمل سائقاً للباص لإيصال الطلاب أو الطالبات إلى الجامعة في بعض المناطق البعيدة كالأحساء والرياض،فيختص ترتيب الآثار عليه في خصوص ذلك الموسم،فعليه أن يتم في تلك الفترة فقط،فلو سافر في غير ذلك الوقت كما لو سافر في الشتاء إلى المراقد الطاهرة في غير عمله،من أجل الزيارة له هو مثلاً في غير وقت الإجازة فوظيفته القصر،وكذا لو سافر إلى الرياض أو الأحساء في غير أيام الدراسة لقضاء حاجة خاصة به.
س:لماذا حكمتم على سائق الباص بالتقصير في غير وقت عمله،مع أنه يصدق عليه كثير السفر على رأي بعض العلماء فكان اللازم عليه الصلاة تماماً دائماً؟…
ج:إنما حكمنا عليه بالقصر في الفترة التي لا يعمل فيها سائقاً للباص لأن انطباق عنوان كثير السفر عليه مخصوص بتلك الفترة،أما في هذه الفترة فلا ينطبق عليه ذلك،ولهذا كل من انـتفى عنه عنوان كثير السفر لا يجب عليه الإتمام، بل وظيفته هي التقصير،فالموظف الذي تكون له إجازة سنوية محددة يأخذها في كل عام عليه أن يقصر إذا سافر في هذه الإجازة.
س:هل يعتبر وجود تناسب بين فترة الاستراحة وبـين طبيعة المسافة التي يقطعها المسافر في سفره؟…
ج:نعم لابد من وجود التناسب بين فترة الاستراحة والتوقف عن السفر وطبيعة المسافة التي قطعها خلال سفره،فمن يسافر من القطيف إلى سوريا مثلاً في كل شهر مرة،لا يضره أن يتوقف خلال الشهر أسبوعاً أو أسبوعين،فلا ينتفي عنه عنوان(عمله السفر)،بلا فرق بين كونه سائقاً لسيارة أم كان قائد طائرة.
أما من يسافر من القطيف إلى الجبيل،أو إلى الظهران،لا يصدق عليه ذلك العنوان أعني عنوان(عمله السفر)فيحتاج إلى تكرر السفر منه أكثر من مرة بسبب قرب المسافة.
س:من كان عمله السفر،فبقي في وطنه عشرة أيام،أو نوى الإقامة في مكان ما عشرة أيام،هل ينتفي عنه عنوان(عمله السفر)؟…
ج:لا يزول العنوان عمن عمله السفر المتواصل إذا بقي في وطنه عشرة أيام،أو نوى الإقامة عشرة أيام في مكان ما،شرط أن يكون ذلك متناسباً مع نوع عمله،فعليه الإتمام في الصلاة بمجرد الشروع مجدداً في السفر،حتى في سفره الأول،سواء أقام هذه المدة لضرورة،أم لغير ضرورة،كل ذلك لعدم انتفاء عنوان(من عمله السفر)عنه.
س:شخص اتخذ السفر لتوه مهنة له وشرع فيه الآن،فمتى يصدق عليه عنوان(عمله السفر)ليرتب عليه آثاره،وهل يعتبر في صدقه عليه تكرر السفر منه بعدد معين كثلاث سفرات مثلاً؟…
ج:لا يعتبر من اتخذ السفر لتوه مهنة له وشرع فيه الآن،تكرر السفر منه مرات متعددة،بل المدار على صدق العنوان عليه،فربما صدق ذلك عليه بأقل من الثلاث مرات،كمن عمل سائقاً للباص على طريق،دبي،أو طريق سوريا،فالظاهر أن العرف يقول عنه أن عمله السفر بأقل من ثلاث سفرات،بينما من كان عمله في الظهران،يبدو أن العرف يتوقف في صدق عنوان(عمله السفر)عليه بثلاث مرات،بل يحتاج إلى أكثر من ذلك،وعلى أي حال فهذا من موارد تشخيص الموضوع التي يرجع المكلف فيها للعرف،فربما شخصنا نحن شيئاً وكان تشخيص الآخرين غيره،فالمرجع على أي حال هو العرف،فمتى شخص العرف أنه ينطبق عليه عنوان(عمله السفر)لزمه الإتمام،وإذا لم ينطبق عليه ذلك بقي على القصر.
عمله في السفر:
من كان عمله في السفر،كالتاجر المتجول في بضاعته،أو الراعي الذي ينـتقل بقطيعه مسافة شرعية،أو المحاسب في بنك وقد كلف بأن يطوف على الفروع التابعة للبنك من بلد إلى بلد،فوظيفة هؤلاء جميعاً هي التمام،كما عليهم الصيام.
س:ما هو الفرق بين من كان عمله السفر،وبين من كان عمله في السفر؟…
ج:الفرق بينهما أن من كان عمله في السفر ليس وظيفته نفس السفر والتنقل،فليس السفر حرفة وعملاً له،بل إن مهنـته غير ذلك،إلا أن طبيعة المهنة تستوجب قطع المسافة،فعملهم واقع في حالة سفر وتنقل.
أما من كان عمله السفر،فإنه يتخذ نفس السفر حرفة ومهنة له،كما هو شأن سائق التاكسي.
ثم إن جميع الأحكام التي سبق وقدمناها لمن كان عمله السفر تجري بعينها في من كان عمله السفر،فلنكتفي بما ذكرناه هناك،ولا حاجة للإعادة.
تكرر السفر:
من يتكرر منه السفر،ويكثر من أجل الوصول إلى مقر عمله الذي يعتاش منه ويتكسب بسببه،وذلك عندما يكون سكنه في بلد وعمله في بلد آخر بينهما مسافة شرعية،ولا يمكنه أداء عمله إلا من خلال الانتقال إليه مراراً كثيرة،بحيث يصدق معها كثرة السفر، كالموظفين الذين يسكنون في القطيف ويعملون في الظهران،أو الجبيل أو الأحساء.
ويكفي في هذا العنوان أن يكون المكلف يحضر خمسة أيام في بلده ويسافر إلى مقر عمله يومين،بنحو يكون مجموع الأيام التي يسافر فيها شهرياً ثمانية أيام،متفرقة على أيام الشهر وأسابيعه،أو مجتمعة كلها في قسم منه،فإن كان أقل من هذا المقدار فعليه أن يقصر في الصلاة.
هذا ويمكن أن يجعل هذا الفرد من أفراد من كان عمله في السفر،كما هي فتوى بعض العلماء،والنـتيجة واحدة من ناحية الأثر فلا تأثير للتفريق.
وعلى أي حال متى انطبق على المكلف عنوان عمله في السفر،أو تكرر منه العمل من أجل الوصول لمقر عمله الذي يعتاش منه،لزمه الصلاة تماماً في مقر العمل،وفي الطريق ذهاباً وإياباً إذا لم يكن مقر عمله مسكناً له،بل كان مسكنه في موضع آخر غير موضع العمل،كما أن عليه الصيام.
أما إذا اتخذ مقر عمله مسكناً له لمدة طويلة نسبياً،وبالنحو الذي لا يعتبر تواجده فيه سفراً،كمن اتخذ مكان عمله وطناً مؤقتاً له،فهذا عليه الصيام ويتم الصلاة في البلد الذي يسكن فيه،أما في الطريق إلى مكان عمله فعليه أن يقصر في الذهاب والعودة،لأن حكمه حينئذٍ كحكم أي وطن يسافر الإنسان منه ويرجع إليه،فعليه التقصير في ذهابه منه،وفي عودته إليه.
هذا ونزيد المقام توضيحاً بذكر بعض الأمثلة لهذا المورد فنقول:
أ-الموظف الذي تقع وظيفته في بلد أخر غير بلده كمن يعمل في الظهران أو الجبيل وبلده القطيف،ولم يتخذ الجبيل أو الظهران أو الرياض التي هي مكان عمله وطناً ثانياً،فعليه الإتمام في الرياض أو الظهران أو الجبيل،كما عليه الصلاة تماماً في الطريق ذهاباً وإياباً،سواء كان يرجع إلى بلده في كل يوم أم في كل جمعة أم كان يقضيي في مركز العمل أكثر من ذلك.
ب-المهندس وأمثاله الذين ينتدبون للعمل في مشاريع تستمر سنة أو أكثر،فيكون مقر عملهم في مكان تنفيذ المشروع الذي يـبعد عن بلدهم بقدر المسافة المحددة،فيفرض عليه التواجد في مقر العمل مدة طويلة أحياناً وقصيرة أخرى،فيتم في كل تلك الأسفار،أي مقر العمل وفي طريق الذهاب إليه والعودة منه.
ج-الخبراء كالمهندسين أو الأطباء أو غيرهم،الذين يكلفون من قبل دوائرهم التي ينـتسبون إليها بالسفر سنة مثلاً إلى الخارج إلى منطقة معينة لكسب المزيد من الخبرة،فعليهم الصلاة تماماً في تلك المنطقة التي تضم الجامعة أو المستشفى التي يمارسون فيه عملهم.
فهؤلاء الذين ذكرنا وغيرهم إذا لم يكن سفرهم كثيراً من أجل أعمالهم،فإنهم إذا سافروا أحياناً من أجل العمل فعليهم التقصير،فمن كان منهم مستقراً في بلده،فعرضت له سفرة في الشهر ليوم أو يومين من أجل العمل في مكان آخر،فعليه التقصير في الصلاة.
س:كثير من الموظفين أو غيرهم ممن ينطبق عليهم عنوان كثير السفر يخرجون في رحلات ترفيهية،في خصوص أيام الأعياد،ومن المعلوم أن هذه المدة إجازة محددة تعطى لكل موظف،فهل تكون وظيفته حينئذٍ هي التقصير؟…
ج:هذه الأيام التي يعطاها الموظف أو من ينطبق عليه عنوان كثير السفر،لا تخرجه بنظر العرف عن عنوان كثير السفر،ولذا يـبقى على الإتمام،نعم لو صدق عليه أنه قد انـتفى عنه عنوان كثير السفر كما في الإجازة السنوية المحددة التي يأخذها فيكون معلوماً عند العرف أن زيداً مثلاً في هذه الفترة ليس كثير السفر لكونه في إجازة،فوظيفته هي التقصير حين ينشأ سفراً.
4-ذكر بعض العلماء أن ممن ينطبق عليه عنوان كثير السفر فيلزمه أن يتم في صلاته كما أن عليه أن يصوم، كل من كثر سفره من موضع سكنه إلى أي مكان يـبلغ مسافة شرعية،لكن لا من أجل التكسب أو العمل،بل من أجل التنـزه والترويح عن النفس والاستجمام،أو من أجل الأجر والثواب،أو من أجل معاونة الغير،أو من أجل التعلم،أو من أجل العلاج،وغير ذلك،فهذا عليه أن يتم صلاته كما عليه أن يصوم نهاره،وذلك لأن المدار عنده على تحقق عنوان كثير السفر،وهذا قد انطبق عليه هذا العنوان،فيلزمه أن يرتب جميع الأحكام التي تـتعلق به.
حكم الطلاب:
هذا ويمكن أن يجعل من مصاديق العنوان السابق الطلاب الذين يدرسون في الجامعات في البلدان التي تبعد عن موطنهم بقدر المسافة،فيأتون إلى الجامعة كل يوم،أو بين يوم ويوم،من أجل الدراسة،ثم يعودون إلى بلدانهم بعد انتهائها،فيجب على هؤلاء الإتمام في بلد الجامعة كما يجب عليهم الصلاة تماماً في الذهاب إليها،وفي الرجوع منها.
لكن قال بعض العلماء بعدم جواز الإتمام بل وظيفتهم هي التقصير فعليهم التقصير في الصلاة كما عليهم الإفطار،وقال بعض آخر بأن عليهم الجمع بين القصر والتمام.
ومثل الطلاب الذين سبق وذكرناهم الطلاب الذين يمكثون خمسة أيام في بلد الجامعة ويرجعون إلى بلدانهم في العطلة يومين من دون أن يقصدوا السكن والاستقرار في بلد الجامعة سنين عديدة،مثل أن تكون دراسة أحدهم تنـتهي في سنة واحدة،أو أنها تنـتهي خلال ستة أشهر،أو أن أحدهم سيمكث أكثر من أسبوع،فهؤلاء عليهم أن يتموا الصلاة والصوم في بلد الجامعة كما عليهم أن يتموا الصلاة في ذهابهم وفي إيابهم.