فرض الله سبحانه وتعالى الخمس على المكلفين كما فرض عليهم الصلاة والصيام والحج،فيجب على كل مكلف إخراج الخمس من عدة أشياء إذ ملكها.
والأشياء التي يجب فيها الخمس هي:
كل الأموال التي تدخل في ملكية الفرد،سواء اكتسبها بجهد وعمل،أم ملكها دون ذلك،نعم بعض العلماء يخص وجوب الخمس بخصوص ما ملكه عن طريق التكسب،فما حصل عليه من غير ذلك لا يتعلق به الخمس ولذا لا يرى وجوب الخمس في الهدية،والهبة،ولا المال الموصى به.
وعلى أي حال من النوع الأول،وهو ما يملك عن طرق التكسب والجهد والعمل الأجر الذي يحصل عليه الموظف،والأجير،والقيمة التي يحصلها الفلاح نتيجة بيعه زرعه وهكذا.
ومن النوع الثاني-أي ما يحصل عليه الشخص دون تعب وجهد-الهبة،وما يملكه بالوصية كفاضل الثلث مثلاً،والميراث غير المتوقع.
ويجب الخمس على الكافر الذمي إذا اشترى أرضاً من مسلم،وهذه حالة استثنائية فرض فيها الخمس على هكذا معاملة.
ومما يجب فيه الخمس أيضاً المال الحلال المختلط بالحرام،من أجل تحليله وجواز التصرف فيه.
وكيف ما كان فما يجب فيه الخمس كالتالي:
1-غنائم الحرب.
2-المعدن.
3-الكنـز.
4-ما يخرج بالغوص.
5-المال الحلال الذي اختلط بالحرام.
6-الأرض الذي اشتراه الذمي من المسلم.
وهذا الأمور لا يعتبر في وجوب الخمس فيها مرور سنة كاملة من وقت تحصيلها حتى يجب الخمس فيها،بل يجب تخميسها فور حصولها،وإن لم تكن زائدة على المؤونة،نعم هناك مؤونة تستثنى منها،وهي مؤونة الإخراج،وما أنفق عليها فهذا.
7-أرباح المكاسب،ويعبر عنه أيضاً بما فضل عن المؤونة،وبالزائد عليها.
وهذا المصطلح يراد منه تميـيز الأرباح الناتجة عن تكسب الإنسان بحرفة أو تجارة خلال سنـته بنحو يكون فيه الخمس متعلقاً بخصوص ما فضل عنه من الأرباح في آخر السنة.
ولما كان هذا القسم أكثر أهمية لكثرة الابتلاء به فسنوقع الحديث عنه بالخصوص.
وأعلم أن وجوب الخمس في أرباح المكاسب إنما يكون بعد استثناء ما يحتاجه المكلف في أمور معاشه وحاجاته،بما فيها ما يصرفه من أجل الكسب والإنتاج،وكذا ما يصرفه في سداد ديوانه على تفصيل يأتي بيانه إن شاء الله تعالى،وكذا يدخل في الاستثناء ما يحتاج صرفه في أمر عبادي كالحج أو الخمس والكفارات،بل حتى الهدايا التي تليق بشأنه،وكذا السفر من أجل النـزهة والتـرفيه عن النفس إن كان موافقاً لشأنه.
وبعبارة أوضح:يجب عليه الخمس بعدما يستثني جميع الأموال التي يصرفها في سنته في أمور معاشه،ومعاش عياله المناسب له،وكل ما يصرفه في صدقاته،وهداياه،وجوائزه،وما يبذله في الإنفاق على الضيوف،أو في وفاء الحقوق الواجبة عليه بنذر أو كفارة،أو أداء دين،أو تعويض عن جناية،أو عما أتلفه عمداً أو خطأ.
هذا ويدخل في المؤونة التي تستثنى من الخمس كل ما يحتاج إليه من سيارة،وخادم،وأثاث،حتى وإن عدّ زينة كالرسوم والأزهار وطيور وأسماك الزينة إذا كانت تناسب شأنه،وكان مما يتعارف ذلك في حقه.
ويدخل في هذه المؤونة المستثناة أيضاً الأموال التي ينفقها من أجل تـزويج أولاده وإسكانهم وتأمين مصالح يعتاشون منها.
ومما يستثنى أيضاً الأموال التي ينفقها في طاعاته من حج وزيارة،بلا فرق بين كونه حجاً واجباً أم مستحباً،وبين كون الزيارة واجبة بالنـذر مثلاً أم كانت زيارة مستحبة.
ثم إن استثناء هذه الأشياء المصروفة من وجوب الخمس بناء على تحقق الصرف الفعلي بمعنى أنه قد أنفقها،فلو لم يتم الإنفاق مثلاً لتقتـير منه على نفسه،أو لأن شخصاً قد تبرع له بكافة نفقاته،أو بعض النفقات،لم يعفَ من الخمس فعليه أن يخمس حينئذٍ الزائد كما سيأتي بيانه.
بل لو كان قد أعدّ مبلغاً مثلاً للحج أو للزيارة،أو للسفر من أجل التـرفيه،وكان ذلك من شأنه ثم عرض له عارض منعه عن السفر ففي هذه الحالة يجب تخميس ذلك المبلغ لعدم تحقق الصرف الفعلي فيكون عندها زائداً على المؤونة.
وعلى أي حال فلنشر لبعض المصاديق التي يجب فيها الخمس من هذا القسم:
الأول:الأرباح:
وهو كل ما يدخل في ملك المكلف من طريق محلل شرعاً،فلو أهدي له هدية،ومضى عليها حول كامل ولم تستخدم تعلق بها الخمس،على رأي بعض العلماء،ولو اشترى كتاباً وبقي عنده سنة كاملة ولم يقرأ حتى صفحة واحدة منه،تعلق به الخمس،ولو اشترى ملابساً ومضى عليها سنة كاملة لم تلبس تعلق بها الخمس،نعم هناك بعض الموارد التي تدخل في مللك المكلف ،من طريق محلل شرعاً،إلا أنه لا يجب فيها الخمس،ولذا سوف نذكر أولاً ما يجب فيه الخمس،ثم نشير لما لا يجب فيه.
أما ما يجب فيه الخمس:
فهو كل فائدة أو نتاج العمل والصناعة والزراعة والتجارة والإجارة فإنها يجب فيها الخمس،وبعبارة أخرى المال الذي يحصل عليه الشخص مثلاً نتيجة قيامه بهذه الأعمال.
وكذلك يجب الخمس في الأشياء التي يحصل عليها من غير جهد ولا مشقة،كالهبة والهدية والمال الذي جاءه عن طريق الوصية،والميراث الذي حصل عليه لكنه لم يكن يتوقع حصوله عليه،كما لو حصل على ميراث من شخص تربطه به قرابة بعيدة بحيث أنه لم يكن يتوقع وصول التـركة له لبعد الطبقة الوراثية بينهما.
وأما ما لا يجب فيه الخمس:
فالمال الذي يرثه الإنسان من أحد والديه،أو من أحد أولاده، أو من أحد أخوته،ومرادنا من الميـراث عبارة عن المال الذي ينـتقل إلى الوارث بعد موت المورث مما تركه الميت ليوزع حسب الشرع المقدس من أموال الميت التي كان يملكها حال حياته،فلا يشمل الهبة التي يهبها الميت لأحد أولاده حال حياته،بل يجب فيها الخمس،وكذا لا يشمل المال الذي يوص به لأحدهم،إذ هذا فيه الخمس أيضاً.
ومما يجب فيه الخمس أيضاً المال الذي يحصل عليه الورثة بعد موت مورثهم نتيجة بعض أمواله،مثلاً لو كان للأب أسهم،وبعد وفاته حصلت أرباح للأسهم،فهذه يتعلق بها الخمس ولا يتعامل معها مثل الميراث،وذلك لعدم تملك الميت لها حال حياته،مما يعني أنها لا تعد من نوع الميراث الذي لا يخمس.
ومما لا يجب فيه الخمس أيضاً مهر الزواج للمرأة،فلا يجب عليها أن تدفع الخمس منه،إذا أعطاها إياه الزوج.
لكن يجب على الزوج أن يدفع خمسه إذا كان عنده وقد مضى عليه سنة كاملة،وأشير هنا إلى أنه وقت المصالحة،والتخميس لأول مرة، لا يجب الخمس في المهر كله،إلا إذا كان قد مر عليه عند المكلف بأكمله عام كامل،أما لو كان قد جمعه خلال سنة ونصف،بحيث بقي عنده بعض المبلغ عام كامل فيتعلق الخمس بخصوص ما كان باقياً عنده ذلك العام،أما البقية،فلا يجب فيه الخمس مثلا،شخص كان مهر زواجه عشرون ألف ريال،وقد اذخر في السنة الأولى خمسة آلاف ريال،وفي العام الثاني حصّل خمسة عشر ألف ريال،ثم دفع الصداق قبل حلول العام الثاني،فهنا يجب عليه تخميس خصوص الخمسة آلاف الأولى فقط التي مضى عليها حول كامل.
هذا ومثل المهر الذي لا يجب على الزوجة تخميسه أيضاً المال الذي تعطيه المرأة للرجل ليطلقها المعبر عنه بالخلع،فلا يجب على الزوج فيه الخمس.
ولقد اختلف العلماء فيما يؤخذ من الخمس كحق السادة الذي يعطى للسادة الفقراء،وحق الإمام الذي يعطى الفقراء،فقال بعضهم بوجوب الخمس فيه،وقال آخرون أنه لا يجب فيه الخمس.
وهناك تفصيل ثالث في حق الإمام(ع)يعود إلى الخلاف في المبنى فلو قيل أنه لا يملك وإنما له حق الاستفادة منه،فهو لا يملك ما زاد على حاجته،فضلاً عن وجوب الخمس فيه.
بعد هذا لنتعرض لبعض الفروع التي يكثر الابتلاء بها في هذا المجال:
1-الدين:
هل يتعلق الخمس بالدين،أو لا يتعلق به ذلك؟..
الدين تارة يكون للشخص الذي يريد دفع الحق الشرعي،ولنسميه بزيد،وتارة يكون الدين متعلقاً بذمة زيد بمعنى أن هناك من يطلب منه ذلك،فهنا صورتان:
الأولى:أن يكون الدين لزيد.
الثانية:أن يكون الدين في ذمة زيد.
أما الصورة الأولى:فإن كان زيد يتوقع رجوع الدين له،بمعنى أن الشخص الذي يطلبه سوف يدفع له المال الذي تعلق بذمته،فهنا يكون زيد مخيراً بين:
1-أن يخمس الدين وقت حلول سنويته،لكون هذا الدين المتعلق بذمة ذلك الشخص في حكم الموجود.
2-أن ينتظر إلى أن يأتيه الشخص بالمال الذي تعلق بذمته،فحينها يجب عليه إخراج الخمس منه.
أما لو لم يكن زيد متوقعاً لرجوع المال بأن كان الشخص الذي استدان منه منكراً للدين مثلاً،أو معسراً جداً،أو أنه يشك في رجوعه فحينئذٍ،عليه أن ينتظر فإن أعطاه المبلغ تعلق الخمس به،وإلا فلا.
الصورة الثانية:أن يكون الدين متعلقاً بذمة زيد نفسه:
بمعنى أن هناك شخصاً يطلب منه هذا المال،ولا فرق عندنا بين كون الطالب للمال شخصاً،أو جماعة،أو جهة كالمؤسسة والبنك مثلاً.
وهنا ليس كلامنا من جهة تعلق الخمس بهذا المال حيث أنه دين في ذمته،وإنما كلامنا من جهة، أنه هل يمكن أن ينـزل هذا الدين من رأس المال أو لا؟…
فهنا حالتان:
1-أن ينـزل الدين من رأس المال،مثلاً إن الدين مقداره خمسون ريالاً،ورأس المال قدره ثلاثمائة ريال،فعندها ننـزل الدين من رأس المال فيبقى رأس المال قدره مائتان وخمسون ريالاً،فلا يجب الخمس في الخمسين التي أنـزلناها من رأس المال.
لكن هذا مشروط بشرط، وهو أن يكون أداء الدين من نفس هذه الخمسين التي أنـزلناها من رأس المال،وهذا ما أشرنا له قبل قليل في أول البحث عندما ذكرنا أن مما يستثنى الدين الذي يتعلق بذمته فلا يجب الخمس إلا بعد إخراجه،بهذا النحو الذي ذكرنا لا مطلقاً.
أما لو كان أداء الدين من غير هذه الخمسين التي سوف ننـزلها من رأس المال،بمعنى أنه مديون للبنك العقاري،وعلى هذا سوف يدفع مقداراً من المال للبنك في كل عام،ونحن قد أنزلنا الدين المتعلق بذمته من رأس المال،فعندها عليه أن يدفع خمس الأموال التي يدفعها للبنك في كل عام لكونها مما زاد على مؤونته.
2-أن لا ينـزل الدين من رأس المال،فعندها كل ما يدفعه الإنسان،في أثناء سنته أداء لدينه لا يتعلق به الخمس،وذلك لأنه يدخل في المؤونة المستثناة كما شرحنا ذلك مفصلاً في البداية.
2-الجمعية:
وهي عبارة عن اتفاق مجموعة على وضع مبلغ من المال مقدر كل شهر،ويأخذه أحدهم،أو أكثر من واحد منهم.
وعلى أي حال فهنا تارة توضع الجمعية بنحو الهبة المعوضة،فعندها يخير المكلف بين تخميسها وقت استلامها،وبين تخميس المقدار الذي دفعه فيها عندما يحل رأس سنته.
وأخرى توضع الجمعية بنحو الدين،فالحكم فيها هو الحكم في الصورة السابقة.
3-الراتب:
إذا كان الموظف يعمل في شركة أهلية،وكان يستلم راتبه في يده نقداً فهنا يتعلق به الخمس بعد مرور حول كامل عليه،وهو بعد لم يصرفه بحيث كان زائداً على مؤونته.
نعم بعض العلماء لا يشترط مرور سنة كاملة على حصوله عنده إذا كان له مهنة فيجب عليه الخمس فيه وإن لم تحل سنته.
وأما لو كانت الشركة التي يعمل فيها حكومية،أو مشتركة،وكان مرتبه يحول على البنك مباشرة فلا يتعلق به الخمس حتى يتحقق منه القبض،ومثل ذلك مبالغ الادخار،والتأمينات التي تجعلها بعض الشركات لموظفيها.
أما لو استلم الموظف في الشركة الحكومية أو المشتركة أو الأهلية راتبه بنحو الشيك،فهنا خلاف بين العلماء إذ يرى بعضهم أن هذا استلام للمال فيقول بتعلق الخمس فيه،بينما يرى الآخرون أن هذا ليس استلاماً للمال،وإنما هو كاشف عنه فلا يرون تعلق الخمس به.