حكم قول بالرفاء و البنين للمتزوجين بقصد التبريك

لا تعليق
مسائل و ردود
236
0

س: ما هو حكم قول بالرفاء و البنين للمتزوجين بقصد التبريك لهما؟

ج: لا ريب أن التهنئة والتبريك من الموضوعات العقلائية التي تبانى على حسنها العقلاء وفي موارد متعددة، كالتهنئة والتبريك للعروسين حال زفافهما، وللوالدين عند إنجابهما طفلاً، ولصاحب الدار عند سكناه، وللناجح في دراسته أو عمله عند تحقيقه النجاح،، وهكذا.

والظاهر أنهم لم يجعلوا لذلك صيغة معينة أو ألفاظاً محددة، بل يكتفون بكل ما يحقق الغرض، ويؤدي المطلوب فيه.

ولم يختلف الشرع الشريف عن الارتكاز العقلائي في البناء على مشروعية التهنئة والتبريك ومحبوبيتهما، إلا أن الكلام في أنه يتفق والعقلاء في عدم وجود صيغة محددة في تحقيق ذلك، وعدم الممانعة في تأدييته بأي لفظ من الألفاظ، أم أنه يقصر ذلك على ألفاظ محددة، وبالتالي يمنع من حصوله بألفاظ أخرى؟

لا يخفى، أن مقتضى الأصل عند الشك في لزوم لفظ معين في التهنئة والتبريك، هو الحكم بعدمه، كما أن مقتضى الأصل عند الشك في المنع من تحقيقه بلفظ ما، يستوجب الحكم بعدمه أيضاً، وعليه لو كنا ومقتضى الأصل، لبني على أن الشريعة السمحاء لا تخالف ما تبانى عليه العقلاء من تحقيقه بكل لفظ وصيغة.

وربما منع من الرجوع في الأصل في المقام، اعتماداً على ما رواه البرقي مرفوعاً، قال: لما زوج رسول الله(ص) فاطمة(ع) قالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا، بل على الخير والبركة[1].

وقد روي مثله في كتب القوم، فقد ورد في مسند أحمد بن حنبل مسنداً عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: تزوج عقيل بن أبي طالب، فخرج علينا فقلنا بالرفاه والبنين. فقال: مه، لا تقولوا ذلك، فإن النبي(ص) قد نهانا عن ذلك، وقال: قولوا بارك الله لك، وبارك الله عليك، وبارك لك فيها[2].

وقد تضمن النص المذكور أمران:

الأول: المنع من التبريك بصيغة بالرفاء والبنين، لقوله(ص): لا، عندما سمعهم يقولون: بالرفاء والبنين.

الثاني: بيان الكيفية التي تكون بها التهنئة، لقوله(ص): على الخير والبركة.

هذا ولو كنا ومقتضى الخبر المذكور لبني على المنع من التهنئة بلفظة بالرفاء والبنين، كما أن مقتضاه قصر عملية التهنئة في التـزويج بخصوص: على الخير والبركة، وعدم مشروعية صيغة أخرى، مثل مبروك، أو مبارك لكما، أو بارك الله عليكما، وهكذا. نعم مقتضى خبر عبد الله بن محمد بن عقيل، توسعة دائرة ألفاظ التبريك، بل يمكن القول بأنه ليس محصوراً بلفظ معين، وإنما هو يفيد المنع عما كان معمولاً به في الجاهلية فلاحظ.

وكيف ما كان، فإنه يمنع من الاستناد للخبر المذكور ضعفه السندي، فقد عرفت أنه مرفوع، ولعل هذا هو السبب الذي جعل صاحب الوسائل(ره) أن يعنون الباب بعنوان استحباب التهنئة بالتـزويج وكيفيتها، ولم يعنونه مثلاً بحرمة استخدام لفظة بالرفاء والبنين في التهنئة، ووجوب كون التهنئة بلفظة على الخير والبركة.

ولا يذهب عليك، أن القول باستحباب التهنئة بلفظة: على الخير والبركة، وكذا كراهة استعمال لفظة: بالرفاء والبنين في التبريك، يتوقف على أمرين:

الأول: البناء على تمامية قاعدة التسامح في أدلة السنن، وأن المستفاد من أخبار من بلغ، هو الاستحباب.

الثاني: أن تكون القاعدة المذكورة شاملة للمكروهات، كشمولها للمستحبات.

أما لو بني على أن أقصى ما يظهر من أخبار من بلغ، هو الإتيان بالعمل رجاء المطلوبية، لعله يدرك الثواب من الباري سبحانه وتعالى، فلا ريب في أنه لا يمكن البناء على استحباب استخدام الصيغة المذكورة في التهنئة.

وكذا لو منع من شمول القاعدة المذكورة للمكروهات،، وبني على قصرها على خصوص المستحبات، فلن يكون التهنئة والتبريك بصيغة بالرفاء والبنين مكروهاً، فلاحظ.

ولا يخفى أنه حتى لو ألتـزم بشمول القاعدة للمكروهات كشمولها للمستحبات، فإن البناء على الكراهة فرع ثبوت القاعدة، فلابد من أن تكون القاعدة تامة، حتى يبنى على ثبوت الكراهة، فلاحظ.

هذا ولما لم تكن القاعدة المذكورة ثابتة، وإنما أقصى ما يستفاد من أخبار من بلغ، هو ترتب الثواب، وليس الاستحباب، فلا يمكن القول باستحباب الصيغة المذكورة، ولا كراهة الصيغة الأخرى، وعليه لن يكون للشارع المقدس شيء في التهنئة والتبريك يغاير ما عليه الارتكاز العقلائي.

هذا ومن المحتمل أن يكون النهي الوارد في الخبر نهياً سلطانياً، وليس مولوياً، فلا يكون صادراً في مورد التشريع، وكانت غايته(ص) منه قلع ما وجد في أذهان المسلمين من جذور جاهلية، ومحاولة الاستعاضة عنها بقيم ورؤى إسلامية، ومن المعلوم أن الحكم السلطاني يزول بانتهاء أمده وانقضاء زمانه، وعليه فلن يستفاد من الخبر المذكور حتى الاستحباب والكراهة، وإن بني على القاعدة المذكورة، لما عرفت من أنه أحد الأحكام السلطانية الصادرة في منطقة الفراغ التشريعي، فتدبر.

وبملاحظة ما ذكرناه من عدم مخالفة الشرع الشريف لما عليه الارتكاز العقلائي، وأنه لا يوجد لفظ محدد في التبريك، إلا أنه يحسن بالمؤمنين خصوصاً مع وجود النص المشار إليه، ألا يخرجوا عنه، رغبة في إبقاء القيم الإسلامية وترسيخها، والخروج عما كان موجوداً في العصر الجاهلي، والله العالم.

[1] وسائل الشيعة ب 142 من أبواب مقدمات النكاح ح 1.

[2] مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 451..

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة