تعتبر شخصيات أهل البيت(ع)من الشخصيات الإسلامية التي كانت ذاتجوانب تميزها عن غيرها من بقية الشخصيات الإسلامية،مما دعى أن تكون في مقام الإقتداء والإتباع من قبل الأمة.
وقد كان لهم(ع)أعداء ومناوئون،يحاولون النيل منهم بشتى الوسائل،ويسعون إلى تحطيم وجودهم الاجتماعي والقيادي، والحط من مقاماتهم،وتوهينهم عند عامة الناس،فلجأوا إلى استخدام أساليب مختلفة،وبأنحاء متعددة،لتحقيق تلك الأغراض،والحصول على الأهداف والغايات المنشودة.
ومن ضمن شخصيات أهل البيت(ع)التي كانت عرضة لمثل هذه الأمور شخصية الإمام الحسن المجتبى(ع)،فقد حاول الأمويون النيل من وجوده المبارك بشتى الوسائل،من أجل إضعافه،ومحاولة توهينه،وتحقيره بين الناس،لكنهم لم يتمكنوا من ذلك.
بل الظاهر أن السبب الرئيس الذي دعى معاوية إلى القيام بمحاولات الاغتيال المتعددة له،حتى نجح في آخرها،من خلال دس السم القتال له،هو عدم تمكنه من الوقوف أمام مركزية شخصيته العظيمة،وقوة وجوده الاجتماعي،فلجأ لذلك.
ولما لم يتمكنوا من الوقوف أمام تصاعد وجوده المبارك في أوساط الناس،عمدوا إلى اختلاق الأكاذيب،ووضع الأحاديث ضده،كمحاولة إعلامية لتشويه صورته،فكانت هذه الحملة الإعلامية الشرسة ضده(ع).
وقد كانت غايتها،بيان أنه(ع)شخصية عادية،لا علاقة له بالله سبحانه وتعالى،ونفي العصمة عنها،مما يعني أنه لا تمييز له على غيره.
كما عمدت إلى إعطاء الشرعية،وإضفاء صبغة التدين والإسلام على أعدائه كمعاوية.
من هنا،أحببت أن أتناول بعض الأطروحات التي وردت في التأريخ،وقد وضعت من أجل النيل من قدس شخص الإمام المجتبى(ع)وبيان أنها من موضوعات الأمويـين،لأجل الحط من تلك الشخصية المقدسة.
مقدمة:
هذا ولا بأس بأن نبدأ بذكر مقدمة تنطوي على الحديث شيئاً ما حولالوضع،وما صاحب ذلك من أمور،فنقول:
لقد وجد في التاريخ بعض المرتزقة،ووعاض السلاطين الذين كان همهم الأول هو وضع الأحاديث التي تتماشى مع أهواء حكام عصرهم،طلباًلرضاهم،وكسباً لدراهمهم ودنانيرهم.
فمن تلك الروايات،أنه دخل رجل على أحد خلفاء بني العباس،وكان يعجبه الحمام الطيارة التي تأتي من الأماكن البعيدة،فروى له حديثاً عن النبي(ص)أنه قال:لا سبق إلا في خف،أو حافر ،أو نصلأوجناح،فأمر له الخليفة بعشرة آلاف درهم،فلما خرج قال الخليفة:أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله(ص)،وما قال رسول الله(ص)جناح،ولكن هو أراد أن يتقرب إلينا وأمر بذبحها،وقال:أنا حملته على ذلك[1].
ولذا وجد في التاريخ من كذب على رسولالله(ص)،وعلىالأئمةالطاهرين(ع)،وقد ذكر الرسول الأكرم(ص)أن ستكثر عليه الكذابة من بعده،كما ذكر الأئمة(ع)وجود كذابين عليهم،وعلى جدهم رسول الله(ص).
فعن أمير المؤمنين(ع)أنه قال:وقد كذب على عهد رسول الله في عهده حتى قام خطيباً،وقال أيها الناس،قد كثرت علينا الكذابة،فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار[2].
وهي دالة على حصول الكذب بصورة واسعة في زمانه(ص)لوجود مجموعة من المنافقين الذين يهمهم تشويه صورة الإسلام،وإظهاره الرسول(ص)بصورة غير لائقة.
ومثل ذلك جرى بالنسبة للأئمة الطاهرين(ع)كما نصت على ذلك العديد من الروايات،وعلى هذا لا يمكننا الحكم بصحة رواية،وإن وردت عنهم لمجرد كونها صحيحة السند،وذلك لوجود الوضاعين،والكذابين عليهم(ع)،خصوصاً وأن من يريد أن يضع حديثاً ليثبت ما يريد إثباته،لابد وأن يضع سنداً صحيحاً يمكنه من تحقيق غرضه،مما يؤدي إلى قبول الخبر الذي وضعه.
وعلى أي حال،فقد صنفوا الوضاعين إلى أصناف،فمنهم من كان يقصد بوضع الحديث التقرب للملوك،وأبناء الدنيا،ومنهم من كان يضع الحديث لغاية الاسترزاق من وضعه،ومنهم من كان من الزهاد العباد،فكان يضع الحديث قربة لله تعالى،لجذب الناس ناحية الدين وترهيبهم،وترغيبهم،ومنهم من وضع الحديث من أجل أن يفسد الإسلام،ويشوه صورة قادته،ويحط من شخصياتهم المباركة.
معرفات الوضع:
هذا وقد ذكرت عدة شواهد تصلح قاعدة كلية يعتمد عليها،من أجل معرفة أن هذا الحديث من الموضوعات،أم من الأحاديث الصادرة عن أهل البيت(ع)،نشير لبعض منها:
1-أن يكون الحديث متضمناً إخباراً عن أمر جسيم،تتوفر الدواعي على نقله بمحضر الجمع،ثم لا ينقله منهم إلا شخص واحد،ومن النماذج على ذلك الرواية التي نقلها أبو بكر عن النبي(ص):نحن الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.
2-أن يكون الخبر المنقول منافياً للعقل،بحيث لا يصدقه،كما أنه لا يقبل التأويل.
3-أن يكون مخالفاً لدلالة الكتاب القطعية،أو السنة المتواترة.
هذا وقد كثر الوضع في زمن معاوية بن أبي سفيان،وشجع هو على ذلك،من أجل الحفاظ على كرسي ملكه،ومنافعه الدنيوية.
قال ابن أبي الحديد:إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي(ع)تقتضي الطعن فيه والبراءة منه،وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله،فاختلقوا ما أرضاه،منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة،ومن التابعين:عمرو بن الزبير[3].
ويكفينا شاهداً على صحة كلام ابن أبي الحديد الحديث الذي يروى أنه(ص)قال:الأمناء عند الله ثلاثة:أنا وجبرائيل ومعاوية.
وبالجملة فقد بذل معاوية الأموال الطائلة من أجل أن يصد الناس عن آل محمد(ص).
ولم يكتفِ معاوية بوضع الأحاديث ضد علي(ع)لأنه وجد أن ذلك لا يجدي نفعاً،فلجأ لوضع الأحاديث ضد من ينتسبون له،فوضع حديث الضحضاح في مولانا أبي طالب(ع).
ظلامة الحسن المجتبى:
ثم تعد الأمر حتى وصل إلى أولاده(ع)،فقام بوضع مجموعة من الأحاديث المكذوبة حول الإمام الحسن المجتبى،في محاولة منه لتشويه صورة علي(ع)في ولده،مضافاً لما ذكرناه في مطلع البحث للوقوف أمام تيار بني هاشم الاجتماعي المتزايد.
فمثلاً عرف الإمام الحسن السبط(ع)بالكرم،والجود بصورة جعلته يتميز بذلك على جميع من ذكر التاريخ بذلهم وكرمهم،بشكل ملفت للنظر،فاستدعى ذلك من معاوية الوقوف أمام هذه الصفة،وبيان أن هناك من هو أكرم من الإمام الزكي،فاختلقت قضية دست في كتب التاريخ،حتى صارت من المسلمات التاريخية،لتوضح أن الإمام الزكي ليس كما يتصور السامع لما يذكر عنه،بل هو شخصية عادية،هناك من هو أكثر بذلاَ منه،وتلك القصة هي:
خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجاً ففاتتهم أثقالهم،فجاعوا وعطشوا،فرأوا عجوزاً في خباء فاستسقوها،فقالت:هذه الشويهة احلبوها وامتذقوا لبنها،ففعلوا،واستطعموها،فقالت:ليس إلا هذه الشاة،فليذبحها أحدكم،فذبحها أحدهم وكشطها،ثم شوت لهم من لحمها فأكلوا،وقالوا عندها،فلما نهضوا قالوا:نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه،فإذا عدنا فألمي بنا،فإنا صانعون بك خيراً،ثم رحلوا،فما جاء زوجها أخبرته،فقال:ويحك تذبحين شاتي لقوم لا تعرفينهم ثم تقولين:نفر من قريش،ثم مضت الأيام فأضرت بها الحال،فرحلت حتى اجتازت بالمدينة فرآها الحسن(ع)فعرفها،قال لها:أتعرفيني؟…قالت:لا،قال:أنا ضيفك يوم كذا وكذا،فأمر لها بألف شاة ،وألف دينار،وبعث معها رسولاً إلى الحسين فأعطاها ضعف ما أعطاها الحسن(ع)،ثم بعث بها إلى عبد الله بن جعفر فأعطاها ضعف ما أعطاها الحسنان.
وأنت كما تلاحظ عزيزي القارئ أن هذه القصة تثبت أن عبد الله بن جعفر أكثر كرماً من الإمام الحسن الزكي(ع)،مما يعني أن ما ينسب إليه من كثرة جود وكرم في غير محله،ولا أقل من أن هناك من هو أكثر كرماً منه،فلا معنى لما يثار حوله.
نعم هناك نقل آخر لنفس القصة،يتضمن أن عبد الله بن جعفر(رض)والإمام الحسين(ع)قد أعطياها كما أعطاها الإمام الحسن(ع)،وهذا المعنى مقبول إجمالاً لكونهما قد اقتديا بالإمام الحسن(ع)في العطاء.
ثم إن هذا الذي قلناه لا يعني أن الحسين(ع)وعبد الله بن جعفر(رض)لما يكونا كريمين،بل التاريخ يشهد على كثرة بذلهما،لكن هذه القضية التي سبق نقلها تهدف لشيء كما أشرنا،وهو الداعي للتأمل فيها.
قضيتان موضوعتان:
هذا ولنشر لقضيتين أخذتا بعداً رئيسياً في سيرة الإمام الحسن(ع)بحيث أن أغلب من تعرض لسيرته العطرة تعرض لهما،كما أنهما صارتا محطاً للبحث.
وهاتان القضيتان هما:
1-كثرة زواج الإمام الحسن(ع)وكونه مطلاقاً،كما ورد على لسان أبيه أمير المؤمنين(ع).
2-أن صلحه مع معاوية كان مستنداً إلى ما جاء عن النبي(ص)من أنه سيد يصلح به بين فئتين من المسلمين.
كثرة الزواج:
أختلف العلماء في هذه القضية على قولين،فبين مثبت لها،وبين نافٍ،وقد استدل كل من الطرفين بأدلة تثبت مدعاه.
لكن الصحيح أن هذه القضية وما جاء فيها من النصوص من الموضوعات التي يحصلها المتتبع في أحوال تلك الروايات،وينظر في أسنادها،وتفصيل ذلك:
لقد وردت روايات تشير إلى عدد زوجاته(ع)،وهي مختلفة فيما بينها،فبعضها يذكر أن زوجاته:
1-سبعون امرأة.
2-تسعون.
3-مائتان وخمسون.
4-ثلثمائة.
أما الرواية الأولى:فراويها هو علي بن عبد الله البصري المعروف بالمدائني،وهو من الضعفاء الذين لا يعول على أحاديثهم،حتى امتنع مسلم عن الرواية عنه في صحيحه،وضعفه ابن عدي في الكامل.
وعرف بأنه عثماني العقيدة،يضع الأخبار لبني أمية[4].ولهذا كان يشيد بالأمويين ويبالغ في تمجيدهم.
وأما الرواية الثانية،فهي مرسلة لا يعول عليها،وقد انفرد برواياتها الشبلنجي في نور الأبصار[5].
وأما الروايتان الثالثة والرابعة،فقد نقلهما المجلسي في البحار وابن شهراشوب في المناقب،ومصدرهما هو كتاب قوت القلوب.
ومؤلف كتاب قوت القلوب لا يعول عليه،فقد كان يبيح الاستماع للغناء،وكان مصاباً بالهستيريا،ولما قدم بغداد ورأى البغداديون ما في حديثه من هذيان تركوه.
وعلى أي حال فهذه الروايات من الروايات الموضوعة عليه(ع)،سواء في زمن بني أمية،وفي زمان خصمه معاوية طلباً لشيء يشينه(ع)فافتعل هذه القضية.
ومن الممكن أنها صادرة من بني العباس لكثرة ثورات الحسنيين في وقت المنصور بالذات،فأراد إضعافهم أمام الرأي العام بشين الحسن الزكي(ع).
هذا ويمكننا التأمل في نفس هذه الروايات بغير ما ذكرنا:
1-إن هذه النصوص تتضمن أن علياً(ع)صعد المنبر وقال لا تزوجوا ولدي الحسن فإنه مطلاق.
وهنا نقول إن هاهنا احتمالين:
الأول:أن يكون علي(ع)قد نهى ولده عن هذا العمل،لكن الحسن لم يستجب لأبيه،مما اضطر الإمام(ع) إلى نهي الناس عن ذلك.
وهذا مرفوض،لكونه يتنافى مع مقام العصمة الموجود عند الإمام الحسن الزكي(ع)،بأن يكون عاصياً لأبيه وهو إمام زمانه المفروض عليه طاعته.
الثاني:أن يكون النهي قد صدر عن أمير المؤمنين ابتداء دون أن ينذر ولده بمغوضيته لذلك،وكراهته له.
وهذا بعيد جداً لأنه كان من الأولى أن يقوم(ع)بإنذار ولده أولاً وإبلاغه بذلك قبل أن يقوم بالتشهير به بين الناس.
2-عدم نص المؤرخين والمترجمين لحياة الإمام الحسن(ع)على كثرة ذريته،وأولاده،فمن كان مزواجاً بهذا المقدار،لا أقل يكون له من الولد عدد غير قليل.
3-لقد كان خصوم الإمام الحسن(ع)يبحثون عما يشينه،ويحط من قدره،وقد جرت بينه وبينهم مناظرات عديدة وفي أماكن مختلفة،فلم نرهم يشينوه بهذا الأمر.
والحاصل إن هذه الأمور مع ما سبق وذكرناه في الملاحظة السندية،تشرف القارئ على الإطمينان بأن هذه الروايات من الموضوعات خصوصاً مع ملاحظة كيفية التعرف على أن الحديث موضوع فيما قدمناه.
حديث الطائفتين:
فذكروا أن صلحه(ع) قد استند إلى قول جده(ص):إن ابني سيد عسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.
هذا ويكاد تنحصر رواية هذا الخبر في شخص أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة شقيق زياد بن أبيه من أمه سمية.
نعم وردت روايتها عن غيره،لكن بنحو مرسل،كما أنها مختلفة في الألفاظ.
لكننا لا نقبل هذا الخبر ونقول أنه من الموضوعات أيضاً لأسباب:
1-إن أبا بكرة كان شخصية منحرفة عن خط أهل البيت(ع)،كما أنه لم يرو شيئاً من فضائلهم(ع).
2-إن هذا الخبر ينافي العديد من النصوص قطعية الصدور الدالة على كفر محارب علي(ع).
وهذا يعيننا على الإطمينان بالوضع،لكون الغاية من وضع الخبر محاولة إضفاء الإسلام على معاوية ومن كان معه.
3-إن المتابع لهذه الرواية المنقولة عن أبي بكرة يجده ينص على أنه سمعها من النبي في مواضع متعددة،والعجب أن لا يريها إلا هو،فهل يا ترى لم يسمعها أحد غيره،خصوصاً وأن بعض تلك المواقف في المسجد،أو في أثناء الصلاة،وهذا يؤكد الوضع لما ذكرناه في كيفية معرفة الخبر الموضوع فيما تقدم.
والحاصل إن هاتين القضيتين من القضايا المفتعلة في حق أبي محمد الزكي(ع)وكانت الغاية منها النيل من شخصه المبارك إرضاء لأهواء السلطة وتنفيذاً لرغباتها.
السلام عليك يا أبا محمد الحسن الزكي،يا سيدنا ومولانا إن توجهنا واستشفعنا بك إلى الله وقدمناك بين يدي حاجاتنا،يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.
[1] الموضوعات لأبن الجوزي ج 1 ص 42.
[2] جامع أحاديث الشيعة –المقدمة-.
[3] شرج نهج البلاغة ج 4 ص 63.
[4] لسان الميزان ج 4 ص 386.
[5] نور الأبصار ص 111.