كيف نقرأ التأريخ

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
178
0

مدخل:

تحيي الشيعة الإمامية بل المسلمون ذكرى واقعة الطف الخالدة في كل عام تخليداً لذكرى اليوم الذي استشهد فيه أبو عبد الله الحسين(ع)وأهل بيته وأنصاره(ع).

وقد نقل لنا التأريخ صوراً حية عن تلك الواقعة المؤلمة وعن ما تعرض له أهل البيت(ع)من أذى من قبل تلك الزمرة الكافرة والشجرة الملعونة.

لكن التأريخ لم يكن منصفاً في إظهار كافة الحقائق وإبرازها لكونه قد كتب بأيدٍ أثيمة ملوثة بالجرائم،غير موالية لأهل البيت(ع).

وهذا يستدعي دراسة التأريخ دراسة متأنية حتى يكون الإنسان على وعي ومعرفة في كيفية التعامل مع القضايا التاريخية،بحيث يمكنه أن يتعرف على ما هو صحيح مما هو موضوع ومدسوس فيه.

كيف نقرأ التأريخ:

من هنا يبرز على السطح سؤال يطرح نفسه وحاصله:أنه في وقت دراسة التأريخ وقراءته هل من اللازم إخضاع رواياته للتدقيق السندي والملاحظة للمتون كما في روايات الأحكام الشرعية،أو أن روايات التأريخ ليست بحاجة إلى ذلك فيمكن لكل إنسان أخذها وقبولها مطلقاً،أو أن هناك تفصيلاً ينبغي ملاحظته بمعنى أنه إذا توفر شرط قبلت تلك الروايات والنصوص التاريخية، وأما مع انتفائه فإنها ستسقط عن الاعتبار؟…

وعندما نود الإجابة على هذا التساؤل نحتاج إلى تصنيف النصوص الموجودة بأيدينا مطلقاً وبيان كيفية التعامل معها بما في ذلك روايات التأريخ والنصوص الواردة فيه.

تصنيف الأخبار:

يمكننا تصنيف الأخبار إلى أربعة أصناف:

الأول:النصوص التي تتضمن حكماً شرعياً تكليفياً كان أم وضعياً،وهي الأخبار الواردة في أبواب الفقه وكتبه من أول كتاب الطهارة وما يتضمنه ويشتمل عليه من وضوء وغسل وتيمم وكل فروعه ومسائله،وكتاب الصلاة وما يشتمل عليه من فروض ونوافل وغيرها والصوم وأحكامه والحج ومناسكه والزكاة والخمس والجهاد وكل أبواب المعاملات والعقود الجائزة واللازمة،وكتاب النكاح وأنواعه والطلاق وأقسامه وما يلحق به من الخلع والظهار وغيرهما،والإرث ومسائله ومراتبه،والحدود والديات وأنواع العقوبات الشرعية لمقترفي الجرائم والآثام التي يراعى فيها سياسة الناس والصالح العام.

وهذا الصنف من الأخبار يخضع للدراسة السندية والتدقيق المتني حتى يتسنى للفقيه العمل بمفاده ومضمونه،على تفصيل يذكر في كتب الأصول في بحث حجية خبر الواحد.

الثاني:النصوص التي تتضمن أصول العقائد من إثبات الخالق الأزلي وتوحيده بمعنى نفي الشريك عنه وأنه ليس بجسم وليس له حيز.

وكذلك الروايات المتعرضة للحديث عن النبوة والإمامة والمعاد والحشر والنشر والبـرزخ والصراط والميـزان والحساب ونشر الصحف.

وهذا الصنف من الأخبار إن كان مطابقاً للأدلة العقلية والضرورية والبـراهين القطعية عمل به من دون حاجة إلى ملاحظة سنده.

أما لو لم يكن كذلك،لكنه في حيـز الإمكان فحينئذٍ ينظر في سنده ويدرس متنه فإن أمكن الالتزام به على ظاهره وإلا فيأول ويحمل على معنى معقولاً.

وأما إذا لم يمكن تأويله وكان مضمونه منافياً للعقل والوجدان ومتعارضاً مع الضرورة فلا يمكن العمل به حتى وإن صح سنده لوجود خلل في متنه،وعندها يرد علمه إلى أهله.

أما لو كان كذلك وهو ضعيف السند فيضرب به عرض الجدار ويجب إسقاطه من بين الأخبار.

ومن أمثلة ذلك الخبر الذي يقول أن الأرض يحملها ثور أو حوت،أو القول أن البـرق مخارق الملائكة والرعد زجر السحاب كما يزجر الراعي إبله وغنمه.

حيث ثبت بعد البحث أن الأرض لا يحملها شيء،كما أن حدوث البـرق والرعد والزلازل والصواعق إنما هو بأسباب طبيعية قد تكون محسوسة وملموسة.

فأمثال هذه الأخبار إن أمكن حملها على معانٍ معقولة فنعم المطلوب،وإلا ما كان منها صحيح السند يرد علمه إلى أهله،ويضرب بالضعيف عرض الجدار ولا يعمل به.

الثالث:النصوص التي تضمنت تهذيب النفوس والأخلاق والمواعظ وطرق علاج بعض الرذائل،والأخبار المشتملة على التهديد والتخويف والتـرغيب،والأخبار المشيرة لفوائد الثمار وخواصها والأشجار والنبات والأحجار الكريمة،والأخبار المتضمنة للأدعية والأذكار والأحراز والطلاسم وخواص الآيات وفضل القرآن وسوره وفضل قراءته.

وهذا الصنف من الأخبار يجوز العمل به دون حاجة لمراعاة الدراسة السندية والمتنية،لكن لا يكون العمل بمفاده ومضمونه بعنوان الاستحباب فإن ذلك غير جائز حيث يرجع هذا الصنف عندئذٍ إلى الصنف الأول وهو النصوص المتعرضة لبيان الأحكام الشرعية لأنه كما هو معلوم الاستحباب أحد الأحكام الشرعية الخمسة،نعم يعمل به من باب رجاء المطلوبية.

كل ذلك شرط أن لا تكون هناك قرائن وأمارات تفيد العلم بكذب هذه النصوص وإلا فإنها تسقط عن الاعتبار.

الرابع:النصوص التاريخية سواء التي تتحدث عن أحد الأنبياء السابقين،أم التي تتعرض لتأريخ الأمم والملوك،أم التي تخبـر عن سيرة نبينا محمد(ص)أو أحد أهل بيته الطاهرين(ع)كواقعة الطف على سبيل المثال.

حيث تضمنت بعض القضايا التي وقعت موقع الأخذ والرد قبولاً ورفضاً كقضية زواج القاسم بن الإمام الحسن السبط(ع)وقضية وجود ليلى في كربلاء وقضية وجود أم البنين(ع)حية في أرض المدينة عندما خرج الحسين(ع)منها وأنها بقية كذلك حتى عاد ركب السبايا،وكذلك ما كانت تقوم به من بكاء على أولادها في أرض البقيع حتى أبكت مروان بن الحكم وهكذا.

وبالجملة هذه جملة من القضايا التاريخية التي تم نقلها في بعض كتب التأريخ دون البعض،وقد عرفت أنها وقعت مورداً للنقاش،فكيف نتعامل مع هذه القضايا التاريخية وغيرها.

هل نخضعها للدراسة السندية والمتنية كما في بعض أصناف الأخبار،أو يجوز العمل بها مطلقاً أو غير ذلك؟…

الصحيح أننا لا يمكننا أن نحيل القضايا التاريخية للدراسة السندية بحيث نقتصر في مقام الاستناد والاعتماد في البحث التاريخي على خصوص ما صح منه سنداً.

بل الظاهر أن المدار عندنا في البحث التاريخي على حصول العلم العادي بحيث يكتفى بتولد الإطمينان وإحراز عدم كذب الراوي ليمكن التعويل على الخبر التاريخي.

والسر في ذلك يعود إلى أن أغلب التأريخ قد كتب بأيدٍ بعيدة عن الوثاقة فضلاً عن العدالة،ولذا لو جعلنا التصحيح السندي شرطاً رئيسيا في الاعتماد لما بقي لنا من التأريخ شيء،وعليه يكفينا حصول الإطمينان خصوصاً مع عدم الحاجة للكذب من قبل الراوي فيما أخبر به.

رواة واقعة الطف:

ولنأخذ مثالاً على ذلك،واقعة عاشوراء الخالدة فنرى أننا لو درسناها تاريخيا من خلال إخضاعها لمقاييس التصحيح السندي ودراسة سلسلة الرواة فكم سوف يبقى عندنا منها،وما هو المقدار الذي سيتم عندنا سنداً وبالتالي سوف يكون حاكياً عن تلك الواقعة المؤلمة،يتضح ذلك من خلال التعرف على رواة واقعة كربلاء.

هذا ويمكننا حصر الرواة للواقعة في التالي:

الأول:الأئمة الأطهار(ع)الذين تأخروا عن أبي عبد الله الحسيين(ع)كالإمام أبي محمد السجاد والإمام أبي جعفر الباقر والإمام أبي عبد الله الصادق والإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا(ع)حيث نقلوا قسماً من أحداث تلك الواقعة وأشاروا إلى بعض ما جرى فيها.

ولكن لا يخفى أن ما نقلوه لا يعدو كونه بعض الأمور التي حصلت يوم عاشوراء لكنهم لم ينقلوا جميع ما وقع في ذلك اليوم،كما أنه قد يستكشف من بعض النصوص تركيزهم على جانب ألا وهو الجانب المعنوي في القضية الحسينية فقول الإمام زين العابدين(ع)للقصاب:أنتم معاشر القصابين،لا تذبحون الكبش حتى تسقوه ماء،لعن الله بني أمية فقد قتلوا ابن بنت رسول الله عطشاناً.

لا يهدف منها الإشارة إلى أن الإمام الحسين(ع)قد ذبح عطشاناً بنحو الحكاية والإخبار التاريخي،وإنما هناك معنى أبعد يشير له(ع)وهو بيان ظلم بني أمية وتخليد ذكرى الحسين(ع)وهذا أحد وسائل الإعلام في ثورة الحسين(ع).

وكذلك قول الإمام الرضا(ع):يا ابن شبيب إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأذل عزيزنا.فإنه إشارة إلى بيان الجانب المعنوي في تلك النهضة المباركة وليس فقط حكاية تاريخية وإخبار لما جرى يوم عاشوراء.

مضافاً إلى أننا لو رفعنا اليد عن كل ما تقدم وقلنا بالركون لتلك الإخبارات الصادرة عنهم(ع)فإنها لن تفِ بالغرض أيضاً وذلك لكون ما صدر عنهم كان يصدر بنحو ما تقتضيه المصلحة في زمانهم ولذا يكون نقلهم لبعض الأحداث قد وقع بنحو الأمر العرضي لا أنه كان الأمر الأساسي في الحديث.

الثاني:ما أخبرت به النساء العلويات ومن كن معهن لما رجعن إلى المدينة،ورجعت كل امرأة إلى أهلها وصرن يحدثن بما جرى في ذلك اليوم العظيم وأخذت كل واحدة منهن تخبر وتنقل ما رأته من الوقائع والأحداث.

ولكن هذا أيضاً كسابقه لا يمكن أن يعتمد عليه ويستند إليه كعنصر أساسي في الوصول إلى كنه القضية التاريخية والإحاطة بكافة جزئياتها،وذلك لأنهن كن في داخل الخيمات فلم يستطعن الإحاطة بكافة الأحداث،فيكنّ على معرفة بمن قتل العباس،ومن قتل الأكبر وكيف كانت عملية القتل وغير ذلك مما يذكر عادة عند التعرض لنقل الحدث التاريخي.

كما أنهن لم يكن يعرفن شخصيات الرجال الأجانب بأسمائهم وما شابه مما يستدعي أن تكون فكرتهم ناقصة وغير تامة.

مضافاً إلى أننا لو تنـزلنا ورفعنا اليد عما ذكرناه لما أمكننا الاعتماد على روايتهن لكون ما نقله التأريخ لنا عنهن قليل مما يعني عدم تحقق الإحاطة التامة والكاملة بالقضية.

نعم الركون إلى ما جاء عنهن فيما بعد الحدث وقتل أبي عبد الله الحسين وأهل بيته وأنصاره(ع) أمر ممكن لكونهن كنا في واجهة الحدث فصرن يخبرن بما كان يجري عليهن.

الثالث:الأطفال الذين نجوا من القتل مثل أحمد بن مسلم حيث أخبر ببعض ما جرى حينما قدم على المختار الثقفي في وقت إمارته فصار يخبره ببعض ما جرى يوم عاشوراء.

وكذلك الحسن المثنى بن الحسن المجتبى(ع)،أو الإمام الباقر(ع)إذ كان حاضراً يوم عاشوراء.

فهؤلاء أخذوا يحدثون بما جرى يوم عاشوراء بعد وصولهم إلى مناطق الأمان وكذا بعدما كبروا كما في الإمام الباقر(ع)،وصاروا ينقلون ما وقع في تلك الظهيرة.

ولكن التأمل في هذا الوجه كسابقه حيث لا يخفى أن هؤلاء الأطفال كانوا عند أمهاتهم في الخيمات مما يمنع من اطلاعهم على الشخصيات الأجنبية والتفاصيل المتعلقة بهم.

كما أن فهمهم الطفولي لم يكن بالمقدار الذي يسمح لهم نقل أكثر من الصور الخيالية البعيدة عن الواقع كشبح مرعب قد وقع في ذلك اليوم.

نعم بالنسبة إلى الحسن المثنى حيث أن الوارد فيه أنه قد قاتل وحمل أسيراً حيث تشفع فيه خاله أسماء بن خارجة فهذا يمكن الاعتماد عليه في نقولاته لكنها ليست من الكثرة بمكان حتى يمكن الركون إليها.

الرابع:الأعداء الذين قاتلوا أبا عبد الله الحسين(ع)في يوم عاشوراء حيث أن التأريخ قد نقل لنا أنهم لما عادوا إلى بلدانهم صاروا يتحدثون عما رأوا في ذلك اليوم،بل قد نقلوا أحداث عاشوراء من البداية إلى النهاية فنـراهم يخبرون عن أصحاب الحسين وعما قاموا به في ليلة عاشوراء،كما نراهم يخبرون عن كيفية قتال الحسين وأصحابه(ع)بل تعرضوا لبيان شيء من الصفات النفسية والذاتية والدوافع التي كان يمتلكها أصحاب الحسين(ع)وكانوا يقاتلون من أجلها.

فمثلاً تحدثوا عن الشاكري وأنه قاتل في قميص وإزار لما هابه أهل الكوفة وهو مدجج في السلاح فقيل له أجننت يا عابس،فقال:حب الحسين أجنني.

وتحدثوا عن ذلك الغلام الذي ألبسته أمه لامة حربه وخرج يقاتل وهو يقول:أمير حسيين ونعم الأمير.

وذكروا بطولة العباس(ع)وتضحيته وكيف أنه أبى شرب الماء قبل أخيه الحسين(ع)،وغير ذلك من القضايا التي نقولها.

ثم إن هؤلاء كما نقلوا واقعة يوم الطف بنحو مفصل،وإنهم كما كانوا يعرفون الحسين وأهل بيته وأنصاره،كانوا يعرفون بعضهم البعض.

وقد يشهد لهذا الوجه ما ينقل من أن المختار الثقفي كان كلما ظفر برجل ممن شارك في واقعة كربلاء سأله عما فعله في تلك الواقعة فيبدأ بالنقل والقص عليه كما أنه يخبره أيضاً بما فعله غيره في ذلك اليوم.

وهنا تكمن المشكلة الأساسية وهي أن هؤلاء قد نقلوا الواقعة بكامل تفاصيلها وجزئياتها وما جرى فيها،إلا أنه هل يمكننا أن نعتمد على مثل هذه النقولات والإخبارات؟…

وبعبارة أخرى:نحن نريد أن نخضع القضايا التاريخية إلى الدراسة والتمحيص السندي والمتنيي فهل أن هؤلاء الأعداء ثقات يمكن الركون لإخبار اتهم ليصح الاعتماد حينئذٍ على ما نقلوه.

والحق أن الالتـزام بوثاقة هؤلاء صعب في الغاية،فضلاً عن أنه غير حاصل.

إن قلت:لما كانت هذه القضايا منقولة من قبل الأعداء فهي نوع من أنواع الإقرار العقلائي الصادر من الفرد على نفسه،وقد تقرر في الفقه أن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز،وعليه يمكننا أن نـأخذ بمثل هذه النقولات حيث تضمنت تطبيقاً لقاعدة الإقرار.

توضيح ذلك:

إذا اعترف زيد من الناس على نفسه بأنه مديون لعمرو بمبلغ من المال فإن هذا الاعتـراف منه يلزمه بأن يدفع المبلغ الذي اعتـرف به على نفسه بأنه لعمرو عنده إلى عمرو،وهذا ما يسميه الفقهاء بالإقرار،ويقولون أنه جائز.

وهذه القاعدة نطبقها في مقامنا بأن يقال:أن قتلة الحسين قد أقروا على أنفسهم من خلال إخبار كل واحد منهم بما فعله يوم عاشوراء،فهذا حرملة ابن كاهل يخبر المختار حينما أوقفه بين يديه أنه رمى الطفل الرضيع فذبحه من الوريد إلى الوريد،وهذا الجمال يخبر أنه قام بقطع كفي الحسين(ع)وهكذا.

ولما كانت هذه إقرارات منهم على أنفسهم فإنهم ملزمون بها كما في إلزام زيد بالدفع لعمرو.

إلا أن الصحيح أن تطبيق القاعدة في المقام ليس مقبولاً لأن قاعدة الإقرار لا تثبت صحة الخبر المنقول من عدمه،بل هي تدل على ثبوت الشيء المقر به والمعترف به على الشخص المقر والمعتـرف،وهذا غير مقامنا لأننا في مقام البحث عن صحة الخبر الذي عرفت أن القاعدة لا تحصله.

ثم على فرض التنـزل والقبول بأنها تنفع أيضاً في إثبات صحة الخبر واعتباره،إلا أنها تنفع فيما إذا كان الشخص محدثاً عن نفسه لا ما إذا كان الشخص محدثاً عن غيره كما هو في موردنا حيث نجد أن حميد ابن مسلم ينقل قضايا تفصيلية عن غيره كما في عملية قتل القاسم ابن الإمام الحسن السبط (ع).

ثم إن هاهنا احتمالاً وهو: أن المتكلم ربما لم يذكر كلامه من باب الإقرار والاعتراف على نفسه،بل كان يذكره من باب الاستعطاف بحيث يشير إلى أن ما فعله هو بالقياس لما فعله غيره وصنعوه لا يعد شيئاً وكم بين فعله وبين فعل غيره.

فالنتيجة التي نصل إليها أننا لو أخضعنا القضية الحسينية إلى المعايـير السندية بحيث لابد من تحليل أسناد الروايات الناقلة للواقعة ولزوم كونها معتبرة،والتأمل فيما لا يكون كذلك للزم الاقتصار على عدد محدود جداً من الأحداث حيث سمعت أن أكثر القضايا المنقولة قد وصلتنا من طريق الأعداء وهم رواة ضعاف جداً بحيث لا يمكن التعويل على أخبارهم.

ومن هنا يتضح أن الكتب التاريخية التي تنقل الواقعة من الكتب المتأخرة إن كانت قد اعتمدت على هؤلاء الرواة فقد عرفت حالهم،وإن لم تعتمد عليهم فإن أمكن معرفة الطريق الذي قد اعتمدت عليه وأمكن تصحيحه بني عليه وإلا اقتضت القاعدة ضعفه لو كان ضعيفاً،وإن لم يعرف الطريق عوملت هذه النصوص معاملة المراسيل فلا يعتمد عليها.

نعم لو كان لنا وثوق بأن الأطفال الذين كانوا صغاراً يوم كربلاء قد نقلوا الواقعة بكامل حذافيـرها للرواة المتأخرين ولو بوسائط معتبرة أمكننا الاعتماد،لكن دون ذلك خرط القتاد.إذ لم نجد أحداً منهم قد ذكر في أسانيد الروايات المتعرضة لنقل الواقعة.

وعندها لا محيص عن الاعتماد على ما سبق وقررناه في بيان كيفية التعامل مع القضايا التاريخية من الاكتفاء بحصول العلم العادي أعني الإطمينان الذي يحصل حتى من إحراز عدم كذب الراوي فيما أخبر به،بل لا يبعد حصوله أيضاً فيما إذا علمنا أن الراوي لا حاجة له في الإخبار كذباً.

خاتمة:

ولا بأس في نهاية المطاف من الإشارة إلى كيفية نقلنا لأحداث واقعة كربلاء الدامية،إذ أننا ننقل الواقعة اعتماداً منا واطمئناناً بفقهائنا وعلمائنا الأجلاء كأمثال الشيخ المفيد والشيخ الأربلي والشيخ التستري فيما نقلوه وسطروه في مجامييعهم من أحداث الواقعة.

وكذلك نعتمد على كتاب المنتخب ،وهو لأحد علمائنا الأبرار الشيخ الفقيه فخر الدين الطريحي(ره)حيث نثق به وبما جاء في كتابه كما نثق بهؤلاء في نقلهم لأحداث الواقعة،ولا يضر انفراد واحد منهم بنقل شيء لم ينقله الآخرون إذ ربما ظفر بشيء لم يظفر به هؤلاء.

وكيف ما كان فالمدار في القضية التاريخية كما عرفت على حصول الإطمينان فمتى ما تولد وحصل كان ذلك كافياً للاعتماد.

والحمد لله رب العالمين

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة