سهل بن زياد.. بين قبول روايته وردها(3)

لا تعليق
خواطر حوزوية
56
0

 
وعليه، سوف تكون المعارضة حاصلة بين قولي الشيخ(ره)، والمحتملات عندها أمران:

الأول: الالتـزام بتقديم التوثيق على التضعيف، لا من باب تقديم التعديل على الجرح، فإن الكبرى غير تامة في نفسها، وإنما من باب أن رجال الشيخ(ره) متأخر تأليفاً عن فهرسته.

الثاني: الالتـزام بعدم وجود ما يوجب ترجح أحدهما على الآخر، ضرورة أن حجية قول الرجالي منشأها خبر الثقة في الموضوعات، ودليل الحجية هو السيرة العقلائية، ولا ريب في عدم شمولها لمورد المعارضة، فيلتـزم عندها بالتساقط، فلاحظ.

أما بالنسبة للأمر الأول، فما يتصور موجباً للتقديم كما عرفت القول بكون رجال الشيخ(ره) متأخراً من حيث التأليف عن الفهرست، وبالتالي يكون ما جاء فيه بمثابة الناسخ أو العدول عما جاء في الفهرست، ويكون ذلك مدعاة لتقديم ما في الرجال على ما في الفهرست، وقد عرفت أنه الذي فيه التوثيق.
ويدل على كون الرجال متأخراً تأليفاً عن الفهرست ، ما صدر منه(ره) من الإرجاع إلى الفهرست في غير مورد[1].

وقد أجيب عنه بجوابين:

الأول: بأن مجرد الإرجاع لا يكشف عن تأخر التأليف، لاحتمال كون ذلك مما زيد ذكره في الكتاب بعد تأليفه، كما جرى ذلك في إرجاعه في خاتمة مشيخة التهذيب إلى الفهرست، مع أن من المقطوع به أن التهذيب سابق تأليفاً على الفهرست، مما يعني أن الإرجاع إليه من الإضافات اللاحقة، ويشهد لما ذكر أنه لم يرجع إلى الفهرست في خاتمة مشيخة الاستبصار المتأخر تأليفاً عن التهذيب.

ولا يخفى ما فيه، ضرورة أنه يعتمد على إحراز كون تأليف المشيخة كان حين إتمام تأليف التهذيب، مع أنه لا شاهد على ذلك، فضلاً عن احتمال كون تأليفها في وقت مستقل، وبالتالي لا يكون الإرجاع كاشفاً عن الإضافات اللاحقة كما لا يخفى. وأغرب من ذلك الشاهد الذي جعل بمثابة الدليل على المدعى، فلاحظ.
الثاني: لقد ذكر الشيخ(ره) كتاب الرجال في عداد مؤلفاته في الفهرست عندما تعرض لها، فقال: كتاب الرجال الذين رووا عن النبي والأئمة الإثني عشر ومن تأخر عنهم)[2]، فلو لم يبن على أنهما ألفا في زمان واحد، فينبغي البناء على أن إرجاعه في كتاب الرجال إلى الفهرست من الإضافات اللاحقة عليه، وكذلك ما تضمنه الفهرست من الإرجاع إلى كتاب الرجال.

والإنصاف أن في البين احتمالاً آخر إذ من الممكن أن الشيخ أشار إلى تأليفه كتاب الرجال في عداد المؤلفات، لكنه لم يتمه إلا بعد الفراغ من الفهرست، فإن العبارة المذكورة لا ظهور فيها في كونه قد أتم التأليف عندما حكى ثبوت الكتاب له، ولا ضير في التعبير عن ثبوت الكتاب له وتأليفه إياه وإن كان بعدُ لم يتم تأليفه، فالإنصاف، عدم صلوح الجواب المذكور لرد ما ذكر من تأخر تأليف الرجال عن الفهرست، فتدبر.

هذا وقد استدل لكون الرجال متأخر تأليفاً عن الفهرست بما جاء في ترجمته(ره) لزرارة بن أعين في الفهرست، عند ذكر أخوته وأولادهم، فقد قال: لهم أيضاً روايات عن علي بن الحسين والباقر والصادق(ع)، نذكرهم في كتاب الرجال إن شاء الله تعالى[3].
والإنصاف عدم وضوح العبارة المذكورة في كون التأليف لكتاب الرجال متأخر عن الفهرست، ضرورة احتمال كونهما قد ألفا في زمان واحد، فيكون كتابته لهذا في عرض كتابته لذاك، وبالتالي الجزم بظهور هذه العبارة في تقدم الفهرست صعب غايته.

وبالجملة، إن الجزم بكون الرجال متأخر تأليفاً عن الفهرست بضرس قاطع مما لا مجال للمصير إليه، خصوصاً بملاحظة ما قيل، وما هو المعروف والمتداول من عمد المؤلفين إلى الإضافة والحذف مما كتبوا ما دام الكتاب بعدُ لم يتداول، بل ربما كانت الكتب أول ما تكتب بمثابة المسودات فإذا قرأت على التلاميذ كان ذلك موجباً لتنقيحها وتنقيتها، فيضاف لها ويحذف، وبعد ذلك يعمد إلى نشرها، فلا يبعد جريان ذلك في شأن كتاب الرجال، فلاحظ. وربما يساعد على ذلك كثرة ما تكرر في كلمات الأصحاب من أنه لم يخرج عن كونه مسودات، فتدبر.

ثم إنه بعد التسليم بكون كتاب الرجال متأخر تأليفا، إلا أن ذلك لا يوجب تقديم التوثيق على التضعيف، لما تقرر في محله من أن منشأ حجية قول الرجالي هو خبر الثقة في الموضوعات، وهذا يستوجب وقوع المعارضة حينئذٍ بين ما صدر عنه(ره) من تضعيف وتوثيق، لأن العقلاء الذين هم منشأ حجية قول الرجالي لا يروون للبعد الزماني مدخلية في الترجيح، فلا يعمدون لترجيح خبر حسي على خبر حسي آخر صدرا من مخبر واحد بكون الثاني منهما متأخر زماناً عن الأول، فلاحظ.
نعم لو كان المختار في حجية قول الرجالي أنه من باب الرجوع لأهل الخبرة، فالظاهر أن ذلك يوجب الترجيح للتوثيق على التضعيف، ضرورة أن العقلاء يعمدون لأخذ قول الخبير أخيراً، ويرفعون اليد عما تقدم منه، فلاحظ.

ومن خلال ما تقدم اتضح أن المختار عندها هو الأمر الثاني، وهو الالتـزام بتحقق المعارضة ومقتضى ذلك العمد إلى التساقط، كما لا يخفى.
هذا ولو قيل أنه بعد حصول المعارضة والتساقط بين كلامي الشيخ(ره)، يلزم من ذلك البناء على وثاقة سهل للوجوه الأخرى المذكورة كوقوعه في أسناد كامل الزيارات، ووقوعه في أسناد التفسير.

قلت: بعد رفع اليد عما تقدم من عدم دلالة الوجهين المذكورين على التوثيق ببيان تقدم، فإن من الخطأ حصر المعارضة بين خصوص قولي الشيخ(ره)، بل اللازم هو تحقق المعارضة بين ما دل على التوثيق وما دل على التضعيف، وقد أشرنا لذلك بصورة مفصلة في ترجمة أبي خديجة سالم بن مكرم، فلاحظ.

محاولة تصحيح النصوص التي وقع في سندها سهل:

هذا وبعد الفراغ عن عدم إمكانية الاستناد لمرويات سهل لما عرفت من ضعفه، أو لا أقل من كونه مجهول الحال بعد تعارض التوثيق مع التضعيف، فقد عمد المحقق التقي العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي(ره) إلى إمكانية الاستناد لمروياته، فذكر لذلك طريقاً في روضة المتقين، بنى فيه على إمكانية تصحيح ما رواه سهل عن خصوص الحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال تعقيباً على حديث رواه سهل عن ابن محبوب: إن الظاهر القريب من العلم أن الكليني رواه عن كتاب ابن محبوب، ويذكر الطرق لاتصال السند[4].

وبالنسبة لمروياته عن البزنطي، قال: وطريق الكليني وإن كان فيه سهل بن زياد، لكن الظاهر أنه شيخ إجازة كتاب ابن أبي نصر هنا، وفي كل المواضع، لأنه ليس بصاحب كتاب، وكتاب ابن أبي نصر وأمثاله مثل حماد وابن أبي عمير وصفوان كان متواتراً عندهم[5].

ولا يخفى أنه لو تم ما أفاده(ره) لترتب على ذلك ثمرة مهمة جداً، لأنه سوف تدخل دائرة الحجية نصوص يزيد عددها على خمسمائة رواية، وفقاً لما أحصاها السيد البروجردي(ره)[6].

وعلى أي حال، تمامية ما أفاده(ره) تعتمد على توفر أمرين:

الأول: أن يبنى على أن جميع كتب بن محبوب والبزنطي مشهورة، ومتداولة النسخ في عصر الكليني(ره)، بحيث لم تعد هناك حاجة إلى ثبوت طريق إليها، كما هو حال الكتب الأربعة اليوم.

الثاني: الالتـزام بكون  المصدر الذي اعتمده الكليني(ره) في نقل هذه النصوص ليس كتاب سهل بن زياد، وإنما قد أخذ الكليني تلك المرويات من مصادرها الأصلية، أعني كتب ابن محبوب، والبزنطي، والموجب لعدم أخذ هذه النصوص من مصادرها وعدم كونها من كتاب سهل يرجع لانحصار مؤلفات سهل في خصوص كتابين، وهما كتاب التوحيد، وكتاب النوادر،

والأول منهما يختص بباب معين من أبواب الأصول، والثاني يستبعد جداً اشتماله على ما يزيد على خمسمائة رواية عن ابن أبي نصر وابن محبوب وحدهما، فيتعين أن يكون الكليني(ره) أخذ تلك النصوص من كتب ابن محبوب والبزنطي.

ولا يخفى أنه لا موجب لحصر ما ذكر في خصوص ابن محبوب والبزنطي، بل يمكن التعدي منهما إلى كل من كان متوفراً فيه الشرطان المذكوران، بل يكفي توفر الشرط الأول، لعدم الحاجة في تكرار الشرط الثاني، فإن انحصار مؤلفات سهل في خصوص الكتابين مسلم، وبالتالي كل من كان صاحب كتاب مشهور متداول النسخ في عصر الكليني(ره)، وأحرز نقل الكليني(ره) منه من دون واسطة، بنى على اعتبار تلك الروايات وإن كان في طريقها سهل.

ولا يخفى أن ما ذكر لا يوجب الانحصار في خصوص البزنطي وابن محبوب، بل يمكن التعدي لكل من كان متوفراً فيه الأمران، فيبنى على انطباق المقام عليه.

ولهذا نجد أن السيد بحر العلوم(ره) عمد إلى توسعة الدائرة، فذكر أن وجود سهل في سند رواية لا يستدعي إسقاطها عن الحجية، وإن كان سهل بن زياد ضعيفاً، وعلل ذلك بكونه أحد مشائخ الإجازة الذين لم ينص على وثاقتهم في الكتب الرجالية، وهذا لا يضر شيئاً باعتبار الأخبار، لأن الغاية من ذكر مشائخ الإجازة هو مجرد الاتصال والتبرك، وإلا فالرواية مأخوذة من الكتب والأصول المعلومة لأنها كانت في زمان المحمدين الثلاثة ظاهرة معروفة كالكتب الأربعة في زماننا اليوم، وذكر مشائخ الإجازة في أوائل السند كذكر المتأخرين الطريق إلى المحمدين الثلاثةـ مع تواتر الكتب وظهور انتسابها إلى مؤلفيها[7].

ولا يخفى أن تمامية الدعوى المذكورة تتوقف على إحراز الأمرين معاً، بمعنى أنه لابد وأن تكون جميع كتب ابن محبوب والبزنطي من الكتب المشهورة ذات النسخ المتداولة والمعروفة بين الأصحاب، نعم ما لا ينكر أن جملة من كتبهما كانت كذلك، ككتاب الجامع للبزنطي مثلاً، وكتاب المشيخة لابن محبوب، وأما غير ذلك من الكتب، فلم يحرز اتصافها بما ذكر، وبالتالي يلزم أن يكون مصدر الكليني(ره) في جميع ما رواه عنهما بواسطة سهل بن زياد منحصراً في خصوص هذين الكتابين كما لا يخفى. ومجرد احتمال كون مصدره كتاباً آخر غيرهما يوجب المنع من تمامية الدعوى.

وأما الثاني، فإن الاستبعاد المذكور في كتاب النوادر لسهل من حيث الشمولية لمقدار الروايات، يمنعه ما ذكره الشيخ(ره) في ترجمة الحسن بن محبوب، فقد ذكر أن كتاب النوادر للحسن بن محبوب كان ألف ورقة[8]. فما هو المانع بعد وجود هذا المقدار أن يكون كتاب سهل النوادر أقل منه حجماً مشتملاً على ذلك المقدار من النصوص.

وقد يتمسك-كما عن التقي العلامة المجلسي(ره)-لإثبات كون مصدر الكليني فيما نقله عن البزنطي وابن محبوب ليس كتاب سهل، من خلال ملاحظة ما يرويه عنهما، إذ يجد المتابع أنه تارة يروي عنهما بسند واحد، وأخرى تكون روايته عنهما بسند مزدوج، وثالثة تكون روايته عنهما بسندين وأزيد، ومن الواضح أن تعدد الطرق كاشف عن كون المصدر ليس كتاب سهل، إذ لو كان هو المصدر لم تتعدد الطرق.

وقد كان يشير إلى هذا الوجه شيخنا التبريزي(قده) لكن في جميع مرويات سهل، إذ كان يقول: بأن للكليني(ره) طرقاً متعددة لجميع النصوص التي رواها عن سهل بن زياد، وإن كان قد اقتصر في مقام النقل على خصوص طرق سهل.

وكيف كان، إن التقريب المذكور لا ينفي كون المصدر لمرويات البزنطي وابن محبوب هو كتاب سهل، إذ من المحتمل أن يكون كتاب سهل هو أحد المصادر التي نقل عنها الكليني، نعم ليس هو المصدر الوحيد، لكن لا ينفي كونه مصدراً، وهذا كافٍ للمنع من الاستناد لتلك النصوص.

وأما ما أفاده السيد بحر العلوم(ره)، فإنه يعدّ فتحاً في مجال الحديث والرواية، لو تم، وقد أشير إلى أن تماميته تتوقف على ثبوت أمرين:

الأول: أن يكون دور شيخ الإجازة منحصراً في البعد الشرفي المقصود منه اتصال سلسلة السند ليس إلا، ويتوقف ذلك على عدم كونه مؤلفاً صاحب كتب، كما في أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار، لأنهما كانا طريقاً لإجازة مؤلفات والديهما، ولم يعرفا بالتأليف والتصنيف.

وهذا يعني أنه لو كان شيخ الإجازة من أصحاب الكتب والمؤلفات، فيصعب الجزم بكون دوره في سلسلة السند مجرد دور شرفي بحت، لأن احتمال كون أحد كتبه مصدراً للحديث يبقى وارداً، ومع وجود هذا الاحتمال لا يتم الوجه المذكور، وعليه سوف تبقى الحاجة إلى إحراز وثاقته لمدخليته في سلسلة السند كما لا يخفى.

الثاني: إحراز أن الكليني(ره) لم ينقل النصوص إلا من مصادرها الأصلية، الثابتة لأصحاب الكتب المشهورة والمتداولة نسخها بكثرة، فلم ينقل من أحد مؤلفات شيخ الإجازة. لأن كثرة النسخ سبيل إلى ضعف احتمال وقوع التغيـير والتبديل في نسخته الواصلة إلى الشخص ولو كان ذلك عن طريق من لم تثبت وثاقته.
ومن الطبيعي أن هذا يتوقف على كون جميع الكتب المجازة للكليني بطريق الراوي الضعيف كسهل مثلاً يعتبر فيها أن تكون مشهورة متداولة بكثرة في عصره، حتى يضعف  احتمال الدس والتزوير فيها، بصورة لا يعتنى به العقلاء.

ولا يكتفى بمجرد كون الكتاب مشهوراً ومتداولاً، لأن ذلك لا ينفي احتمالية ثبوت الدس والتزوير فيه.
ولم يعلم أن جميع مصادر مؤلفي الجوامع في تآليفهم متداولة النسخ بكثرة، بل لعل المظنون وفقاً لجملة من القرائن والشواهد خلاف ذلك.

إن قلت: إن هذا ينافي ما صدر من تصريح بعضهم بكون الكتب التي اعتمد عليها في التأليف كتب مشهورة، فهذا شيخنا الصدوق(ره) يصرح في مقدمة كتابه بكون مصادره التي استخرج منها نصوص مؤلفه الفقيه كتب مشهورة، قال: جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول وإليها المرجع. فيكشف ذلك عن كون تلك الكتب نسخها متداولة، بحيث يستغنى معه عن الطرق إلى نسخها.

قلت: إن ظاهر عبارة الصدوق(ره) وإن كان ما ذكر، إلا أن مقصوده شيء آخر، وهو أن تلك الكتب مشتهرة بين الأصحاب من حيث الاعتماد عليها، والأخذ بما ورد فيها، ولا ينافي ذلك لزوم التأكد من صحة نسخها من خلال طرق صحيحة أو بعض القرائن والشواهد.
والحاصل، لا طريق للاستناد لما وقع في أسناده سهل بن زياد من الروايات، لما عرفت في محله من كونه ضعيفاً لا يعتمد على شيء من رواياته، والله العالم بحقائق الأمور.

 

[1] لاحظ ما جاء في الصفحات التالية من رجال الشيخ، ص 348، 458، 464، 482.
[2] الفهرست ص 241.
[3] الفهرست ص 134.
[4] روضة المتقين ج 10 ص 196.
[5] المصدر السابق ج 1 ص 434.
[6] ترتيب أسانيد الكافي ج 1 ص 467.
[7] الفوائد الرجالية ج 3 ص 25.
[8] الفهرست ترجمة رقم

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة