غيبة المخالف

لا تعليق
خواطر حوزوية
200
0

غيبة المخالف

 

قد خلت كتب قدماء علماء الطائفة من الإشارة لمسألة غيبة المخالف، وإن كان المشهور بينهم البناء على جواز ذلك، لما عليه المقدس الأردبيلي(ره)، من البناء على عدم جواز غيبة المخالف، قال(ره): الظاهر أن عموم أدلة الغيبة من الكتاب والسنة يشمل المؤمنين وغيرهم فإن قوله تعالى:- ]ولا يغتب بعضكم بعضاً[ إما للمكلفين كلهم أو للمسلمين فقط لجواز غيبة الكافر ولقوله بعده:- ]لحم أخيه ميتاً[ وكذا الأخبار فإن أكثرها بلفظ الناس أو المسلم مثل ما روي في الفقيه: من اغتاب امرءاً مسلماً بطل صومه -إلى أن قال-: وبالجملة عموم أدلة الغيبة وخصوص ذكر المسلم يدل على التحريم مطلقاً وأن عرض المسلم كدمه وماله فكما لا يجوز أخذ مال المخالف وقتله لا يجوز تناول عرضه الذي هو الغيبة وذلك لا يدل على كونه مقبولاً عند الله تعالى كعدم جواز أخذ ماله وقتله كما في الكافر، ولا يدل جواز لعنه بنص على جواز الغيبة مع تلك الأدلة[1].

وقد نقل الجواز عن صاحبي مجمع البحرين والرياض كما في مفتاح الكرامة[2].

 

وقد أورد في مفتاح الكرامة على المقدس الأردبيلي(ره) بأن المؤمن الوارد في صدر الآية الشريفة ]يا أيها الذين آمنوا…[ في اصطلاحنا عبارة عن الفرقة الناجية فكيف غفل عن أولها كما غفل عن آخرها حيث قال سبحانه:- ]أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً[ إذ لا أخوة بين المؤمن والكافر([3]).

وفيه: ليس البحث في مصطلح الفرقة الناجية، بل في مصطلح القرآن فهل أن لفظ المؤمن في هذه الآية يراد منه خصوص الموالي. مضافاً إلى أن هذه الآية نزلت قبل عرض الولاية على الناس في عام حجة الوداع.

وبعبارة ثانية: لم يكن هناك فرق بين الإسلام والإيمان حين نزول الآية المباركة مما يعني أنه لا يراد بالإيمان الوارد فيها هو الإقرار بالولاية، بل إن الآية ككثير من الأخبار مطلقة. ومما ذكرنا تعرف ضعف ما ذكره بعض الأعاظم (قده) من الاستدلال للجواز بأن المستفاد من الآية والروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن ومن البديهي أنه لا أخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين وهذا هو المراد من المطلقات لمناسبة الحكم والموضوع[4].

 

واستدل بعض الأعاظم (قده) بوجوه:

الأول: ما ثبت  في الروايات والأدعية والزيارات من جواز لعن المخالفين ووجوب البراءة منهم وإكثار السب علـيهم واتهامهم والوقيعة فيهم أي غيبتهم لأجل أنهم أهل البدع والريب.

الثاني: إن المـخالـفين بـأجمعهم متجاهرون بالفسق لبطلان عملهم رأساً كما في الروايات   المتظافرة، بل التزموا بما هو أعظم من الفسق وسيجيء أن المتجاهر بالفسق تجوز غيبته.

الثالث: إن المستفاد من الآية والروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن، ومن البديهي أن لا أخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين وهو المراد من مطلقات الأخبار بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع.

الرابع: قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة المخالفين، بل سبهم ولعنهم في جميع الأعصار والأمصار. بل عن الجواهر أن جواز ذلك من الضروريات([5]).

 

ويرد على ما أفاد (قده)، أما الأول ففيه: إن المستفاد من النصوص إطلاق الإسلام على معان ثلاثة:

1- إظهار الشهادتين.              2- الإيمان بهما.  3- القول بالولاية.

والكفر يقابله في الثلاثة. ولا ريب في جواز غيبة الكافر بالمعنى المقابل للمسلم بمعنى الإسلام الأول. وأما جوازها بالنسبة للكافر بالمعنى المقابل للمسلم بمعناه الثالث فهو أول الكلام، لأن مجرد تضمن النصوص أن المخالف كافر لا يعني الحكم بالجواز كما أن جواز لعنهم ووجوب البراءة منهم وإكثار السب علـيهم أعم من جواز الغيبة كما يمكن أن يكون أخص منه لاختصاصه بأهل البدع منهم. ثم إن جواز اللعن لا يفيد جواز الغيبة لما فيه من هتك لعرض السلم.

لا يقال: بأنه كافر.

 

فإنه يقال: لا بد من تفسيره بغير المعنى المصطلح وهو كفران النعمة وإلا لزم عدم ترتيب الأثر والأحكام علـيهم.

ودعوى أن جواز الغيـبة أهون من هذه الأمور ضعيفة جداً، لعدم ثبوت مناط حرمتها.

وعلى الثاني: لا ملازمة بين بطلان عبادتهم وكونهم متجاهرين بالفسق مع عدم التفاتهم إلى البطلان وزعمهم أنها صحيحة. وإلا لزم أن يكون المصلي لغير قبلة أو على غير طهارة مع الجهل فاسقاً. نعم يكون الإنسان فاسقاً مع إتيانه بالعمل الفاسد مع علمه بفساده وبعبارة أخرى: إن مقتضى الاستدلال هو التفصيل فلا يلتزم بجواز غيبة مطلق المخالف وإنما خصوص المعاند.

 

وأما الثالث فقد تقدم جوابه.

ويجاب عن الرابع بأن هذه السيرة لا تصلح للاحتجاج والاستدلال لأنها كسائر السير التي أشار لـها الشيخ الأعظم الأنصاري (ره) في مبحث المعاطاة. ولو تم الاستدلال بها فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن وهو خصوص أهل البدع والمعاندين منهم لا مطلق المخالف.

وقد سلك بعض الأعيان (قده) للاستدلال على الجواز طريقاً آخر فتمسك بالآية وأنها دالة على الجواز فذكر أولاً: بأن وجود مصطلحين متغايرين بين القرآن الكريم والأئمة (ع) باطل، بل المصطلح عندهما واحد فعلى هذا يكون الإيمان عند الله ورسوله هو ما عند الأئمة (ع).

ثانياً: لقد كان مقوم الإيمان قبل تولية أمير المؤمنين (ع) ونصبه بالولاية هو الشهادة، وبعد نصبه (ع) صارت الولاية والتصديق بها أحد مقوماته فيكون خطاب ]يا أيها الذين آمنوا[ متوجهاً إلى المؤمنين الواقعيين وإن اختلفت أركانه حسب الأزمان([6]).

وفيه أولاً: لا يبعد وجود مصطلحين بملاكين: الأول: ما يكون ملاكاً للطهارة وحلية الذبيحة وصحة التناكح والتناسل والمواريث.

 

الثاني: ملاك قبول الأعمال والسعادة الأخروية. ويؤيده وجود اصطلاحين للمسلم في القرآن فيستعمله تارة في التصديق اللساني مثل قوله تعالى: ]ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم[([7]) ويطبقه أخرى على التصديق اللساني والقلبي قال تعالى: ]هو سماكم المسلمين من قبل[([8]). فمع الحاجة لوضع اصطلاحين لا إشكال في التغاير. نعم يرد الإشكال لو لم يكن حاجة للتعدد. ولا شك في أن الأحكام المترتبة على المؤمن في الكتاب والسنة نظرها للأحكام التي يكفي فيها الاعتقاد بالأصول الثلاثة من المبدأ والنبوة والمعاد بخلاف ما ورد على لسان الأئمة (ع) إذ أن نظرها لمن يسعد في الآخرة ويشقى ومن تقبل أعماله أو لا تقبل إلى غير ذلك من الجهات التي تخصص المؤمن بمن يعتقد الولاية لـهم (ع).

ثانياً: إنه يحرم نفسه وماله فكيف لا يحرم عرضه وهو أهم من المال.

 

والحاصل إن مقتضى القواعد هو ما اختاره الأردبيلي(ره) في شرح الإرشاد لأن موضوع الحرمة في كثير من النصوص هو المسلم كما في خبر الحرث بن المغيرة قال: قال أبو عبد الله (ع): المسلم أخو المسلم هو عينه ومرآته ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه([9]).

كما أن ما تضمن لفظ المؤمن لا يراد منه المقابل للمخالف، بل المراد منه المذعن المصدق قلباً ولساناً في مقابل المتظاهر به لساناً لا قلباً. كما في خبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص): سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية لله وحرمة ماله كحرمة دمه([10]).

 

ومثله خبر سليمان بن خالد عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص): المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه والمهاجر من هجر السيئات وترك ما حرم الله والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة([11]).

 

 

 

 

[1] إرشاد الأذهان في شرح ج ص

[2] مفتاح الكرامة ج ص

[3] ـ مفتاح الكرامة ج4 ص65.

[4] مصباح الفقاهة ج 2 ص 12.

[5] ـ مصباح الفقاهة ج2 ص11.

[6] ـ المكاسب المحرمة.

[7] ـ الحجرات : 13.

[8] ـ الحج : 87.

[9] ـ الوسائل ب152 من أبواب ما يكتسب به ح3.

[10] ـ الوسائل ب152 من أحكام العشرة 12.

[11] ـ المصدر السابق ح1.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة