شمولية الشريعة(1)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
106
0
شمولية الشريعة(1)

 

بعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً(ص) برسالة خاتمة لما سبقها من الرسالات السماوية وشاملة لكل ما يحتاجه البشر في وقته، بل لما بعد ذلك خلال حقبة من الزمن وقد كانت الرسالة عالمية فلم تختص بأمة دون أمة، ولا بمجتمع دون مجتمع بخلاف بقية الرسالات السماوية السابقة إذ كانت خاصة بأقوام معينة وأمم خاصة.

وقد وقع الكلام في تلبية ما تضمنته رسالة النبي الأكرم محمد(ص) للبشرية بعدما تطورت الحياة وتغيرت عما كانت عليه سابقاً وقت بعثة النبي(ص)، وتشريع الأحكام وسنّ القوانين، وقد نجم ذلك من وجود الأطروحات الإيدلوجية والمدارس الفكرية، خصوصاً المدارس الاشتراكية والرأسمالية وأمثالها، ما يجعل لهذا البحث بعداً كلامياً.

 

موانع الشمولية:

وقد ذكرت إشكالات ثلاثة حول تلبية الشريعة المحمدية السمحاء للمستجدات الحياتية والتقدمات العلمية المعاصرة:

الأول: عدم مواكبتها للتطور الحياتي والتقدم العلمي والتكنولوجي، فلا تملك الشريعة القدرة على مواكبة الحياة العصرية والتناسب مع التطورات والمستجدات الحاصلة فيها، نعم لا ريب في صلاحية الشريعة للعصور السابقة والحياة البدائية كالمجتمعات الزراعية والتي اندثرت من الوجود أو أخذت في الاندثار. وهذا بخلاف الحياة العصرية والحديثة المليئة بالتطور التكنولوجي، إذ كيف يمكن للنظام الفقهي مواكبة الحياة العصرية، وهو ثابت، ومن الواضح أن الثابت لا يتناسب مع المتغير.

الثاني: افتقار الشريعة للأنظمة التي تنطوي عليها هذه الإيديولوجيات والمدارس الفكرية، مثل: النظام السياسي، والنظام الاجتماعي، والنظام الاقتصادي، والنظام التعليمي، والنظام التربوي، فإن الشريعة المحمدية لا تنطوي على شيء من ذلك.

وعلى كل من يدعي اشتمالها على مثل هذه الأنظمة أن يبرز النظام السياسي أو النظام الاقتصادي، أو النظام التربوي وفق الشريعة المحمدية من خلال إبراز مقوماته والأسس التي يقوم عليها والأركان التي يعتمدها، وغير ذلك مما هو مطلوب في هذه الأمور.

نعم ما لا ينكر هو اشتمال الشريعة على النظام العبادي والذي يكون من خلال الصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واشتمالها أيضاً على بعض الأمور المتعلقة بالشأن المدني كالبيع والنكاح والطلاق والمواريث والهبات والوصايا وغير ذلك، إلا أنها لا تشكل أنظمة بعنوانها العام.

 

الثالث: إن الشريعة المحمدية ينحصر دورها في خصوص الاهتمام بعالم الآخرة، وما يتعلق بها من أمور، ولا تتدخل في الأمور الدنيوية بشكل جدي.

وقد أوجب طرح هذه الإشكالات وجود بعض المسلمين الذين ينادون بعقم الشريعة المحمدية، وأنه قد انتهى وقتها لعدم قدرتها على تغطية مختلف وقائع الحياة واستيعابها.

كما دعى وجود هذه الإشكالات الثلاثة سعي المسلمين بكافة طوائفهم وانتماءاتهم العقدية والفكرية للجواب عنها، لأن المفروض أنهم يعتقدون بشمولية الشريعة لكافة المجالات الحياتية واستيعابها لذلك، ويتمسكون في إثبات ذلك بمجموعة من الأدلة عامة وخاصة.

 

دفع الإشكالات:

وقد أجيب عن الإشكالات الثلاثة في كلمات الباحثين والمفكرين والأعلام، ونشير لشيء مما جاء في كلماتهم، فأجابوا عن الأول منها بوجود تمام الانسجام والتوافق بين الشريعة المحمدية والتغيرات والتحولات الموجودة في الحياة خارجاً، ومواكبة التطور، فالنظام الفقهي صالح لمواكبة التغيرات الحياتية وتطوراتها.

ودفعوا الإشكال الثاني بأن لشريعة النبي الأكرم محمد(ص) مشروع دولة، ومشروع حياة، وهو المعبر عنه في الدراسات الحديثة بأسلمة الحياة، ومن المعلوم أنه لا يمكن الحديث عن استيعاب الشريعة لكافة مرافق الحياة إلا إذا كانت هناك رؤية شاملة تتناسب مع الحياة المعاصرة التي تتبدل وتتحول بشكل سريع، لتكون القوانين التي شرعت في القرنين السابع والثامن الميلادي صالحة للقرن الواحد والعشرين والثاني والعشرين أيضاً.

وأما الإشكال الثالث، فإنه لا يخرج عن مجرد دعوى، لأن المتابع للنصوص الدينية والتي تعدّ قوام الشريعة يقف على عنايتها بالجانب الدنيوي واهتمامها بها، وعدم حصر علاقتها بخصوص عالم الآخرة.

 

نظريتان في المقام:

وعلى أي حال، ونتيجة لوجود الإشكالات الثلاثة السابقة، وجدت نظريتان في التعامل مع هذه الإشكالات المذكورة:

الأولى: وهي التي تظهر من بعض علماء المسلمين، ومفادها البناء على عدم شمولية الشريعة السمحاء لكافة الحاجات البشرية، وعدم تلبيتها لما يحتاجه الإنسان في كل زمان ومكان من أمور مستجدة. لأنها تنحصر في خصوص البعد العبادي، وبعض الأحكام المرتبطة بالأحوال الشخصية، ولا تشتمل على شيء من الأنظمة التي تقود الحياة الانسانية، فهي لا تشمل برنامجاً اقتصادياً، ولا يوجد فيها نظام بيئي، ولم تتضمن شيئاً حول العلاقات الدولية وهكذا[1].

وهذا يستدعي التجديد وإعادة النظر في الأحكام التي تضمنتها وتغيـيرها بما يكون مواكباً للتطور الحياتي. نعم القيم الأخلاقية لما كانت منسجمة غالباً مع الفطرة الانسانية، وهي عنصر ثابت لا يتأثر بالتغيرات والتطورات، فهي ثابتة مستمرة في كل العصور والأزمنة.

ومن الواضح جداً أقربية هذا الاتجاه إلى الاتجاه العلماني، وبعده عن الجانب الديني.

ويقرر أصحاب هذه النظرية أن الشارع المقدس قد فوض مساحات واسعة للإنسان حتى يقرّ فيها من القوانين ما يراه مناسباً له ومحققاً لمصالحه دون أن يكون لذلك علاقة بالجعل الإلهي، فالإنسان هو الذي يحدد الجهة أو الشخص أو الشخصيات المسؤولة عن وضع القوانين في هذه المساحات، وهذا يعني أن للناس الحرية في تعيـين الجهة المسؤولة عن التقنين وشرائطه أيضاً.

 

وقد أنقسم أصحاب هذه النظرية إلى فريقين:

الأول: إن دائرة التصرف الانساني تنحصر فقط في خصوص المعاملات، لأنها الخارج عن مجال التشريع. ويشترط أصحاب هذا الفريق في التصرف الانساني أن يكون في إطار ما عينه الشارع المقدس لا مطلقاً.

الثاني: الذين وسعوا دائرة التصرف الانساني في الدين، وعدم حصره في حدٍ معين، لأن الدين قد حصر في بعض المساحات التي لا تقبل الفهم أحياناً، وأما الباقي فللإنسان أن يعمل فيه بما يراه.

الثانية: ما عليه علماء الطائفة المحقة من البناء على شمولية الشريعة وتلبيتها لكافة الاحتياجات الإنسانية.

وقد اختلف الأعلام في كيفية علاج الإشكالات الثلاثة المتقدمة، فوجد اتجاهان[2]:

الأول: وهو الذي يبني على انقسام أحكام الشريعة المحمدية السمحاء إلى قسمين: ثابتة ومتغيرة ترجع إلى الثابتة، ويكون الأمر نظير الآيات القرآنية المباركة وانقسامها إلى محكمة ومتشابهة، وترجع المتشابهة منها إلى المحكمة.

وعليه، سوف تواكب الشريعة الحياة المعاصرة بتطوراتها وتقدمها العلمي والتكنولوجي، وسوف تكون مشتملة على أنظمة في كافة المجالات، مثل النظام التعليمي، والنظام التربوي، والنظام الاقتصادي، والنظام السياسي، وغير ذلك.

 

حقيقة الثابت:

نص علماء اللغة على أن الثابت اسم فاعل، من ثبت الشيء ثباتاً وثبوتاً فهو ثابت وثبيت، وثبْت. والمستفاد من مجموع كلماتهم أن المقصود من الثبات يعني الديمومة والاستمرار والبقاء زمانين[3]، وقد استعمل هذا المعنى في القرآن الكريم، فقال تعالى:- (ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)[4]، وقال عز من قائل:- (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)[5]، وقال سبحانه:- (مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة)[6]، وقال تعالى:- (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وتثبيتاً)[7]، فإن الثابت ومشتقاته في جميع هذه الآيات بمعنى الديمومة والاستمرار والبقاء.

وأما في الاصطلاح، فيقصد به التشريعات والقوانين التي لا تتبدل ولا تتغير مع تقدم الزمن وتغيره وتطوره، وإنما تتصف بالاستقرار والديمومة المطلقة.

وقد أوجب التعريف المذكور للثابت وصف مجموعة من المثقفين إياه بالمقدس، وبالحقيقة المطلقة، ولذا عبر بعضهم عن أحكام الشريعة بالمقدسات، والحقائق المطلقة.

 

ولا يخفى أن الثابت بهذا المعنى يكون الغاية التي أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل وبعث الأنبياء من أجلها، وهو مقصد الدين والشرائع، قال تعالى:- (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)[8]، فإقامة العدل وتحقيق العدالة بين الناس مقصد ثابت وهدف وغاية جاء الأنبياء لتحقيقه على أرض الواقع في كل زمان ومكان.

وقد اتضح مما تقدم، أنه لا يكاد يختلف المقصود من الثابت في الاصطلاح عن معناه اللغوي.

ولا ينحصر تعريف الثابت في ما ذكر، بل يجد الباحث اشتمال كلمات الفقهاء على معاني أخري له وبيان حقيقته:

منها: أنه كل معلوم من الدين بالضرورة.

 

ومنها: كل ما يظهر بصورة واحدة لجميع المسلمين في كل زمان ومكان.

ويمثلون للأمرين بالأحكام الشرعية الثابتة مثل: الصلاة وصوم شهر رمضان والحج، والوضوء قبل الصلاة، وأن الزواج حلال، والبيع حلال، وأكل الميتة حرام، وفعل الفاحشة حرام، وهكذا.

ومنها: أن الثابت هي مقاصد الشريعة، وهي الضروريات الخمس: الحياة(النفس)، والعقل(العلم)، والدين، والعرض(الكرامة الفردية والاجتماعية)، والمال(الثروة الوطنية).

وهناك تعريفات أخرى اشتملت عليها كلمات الباحثين والكتاب أعرضنا عن ذكرها، ويمكن للقارئ العزيز الوقوف عليها في مظانها.

 

المتغيـر:

وهو اسم فاعل خماسي، ويقصد منه التحول، فيقال: غيّره إذا جعله غير ما كان وحوله وبدله[9]، وهذا يعني أن التغيـير فيه تبديل وتحويل للشيء المغيّر يسلب عنه صفة الثبات التي كان عليها، وقد استعمل في القرآن بهذا المعنى، قال تعالى:- (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)[10]، وقال سبحانه:- (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)[11].

ويقصد منه في الاصطلاح، التشريعات والقوانين التي تتبدل وتتغير مع الزمن، بحيث تكون صالحة لزمن معين، إلا أن ذلك لا يعطيها سمة الاستمرار والصلاح لكل زمان.

والظاهر أن هذين التعبيرين مأخوذان من الأدباء، لأنهم تكلموا في الأدب عن الثابت والمتحول، وقد يعبر البعض عن البحث أيضاً بالأصالة والمعاصرة، أو التراث والحداثة، أو المطلق والنسبي.

 

ولاية الأمر:

ووفقاً للتقسيم المتقدم، تمت معالجة الإشكالات الثلاثة من خلال أطروحة ولاية الأمر، ولذلك صيغتان:

الأولى: وهو ما تبناه الشهيد السعيد السيد الصدر(ره)، وهي الالتـزام بمنطقة الفراغ التشريعي، وقد أشار إليها في كتابه اقتصادنا، قال(قده): كل فعل مباح تشريعاً بطبيعته ولم يرد نص تشريعي يدل على حرمته، أو وجوبه، يسمح لولي الأمر بإعطائه صفة ثانوية بالمنع عنه، أو الأمر به[12].

ومع أن المعروف عدّ النظرية المذكورة واحداً من إبداعات هذا السيد الجليل(قده)، إلا أن هناك من يصر على وجود جذور لها في كلمات غيره السابقين عليه من علماء الفريقين[13].

ولعل منشأ القول المذكور يعود لملاحظة كلمات المفسرين لقوله تعالى:- (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)[14]، على أساس أنه سبحانه وتعالى قد أعطى لأولي الأمر صلاحية واسعة دون تحديد، فيكون شاملاً للتصرف في منطقة الفراغ التشريعي بالمعنى المتقدم.

وبعبارة أخرى، إن حذف المتعلق يدل على العموم، فيكون مدلول الآية الشريفة لزوم طاعة أولي الأمر في كل ما يكون مورد رضاً لله سبحانه وتعالى، فيثبت المطلوب.

 

ويمكن الوقوف على ما ذكرناه في كلمات الفريقين، فمن علماء المسلمين مثلاً هناك الفخر الرازي في كتابه التفسير الكبير[15]، وكذا الطبري في تفسيره[16]. ومن علماء الطائفة المحقة يظهر ذلك من السيد العلامة الطباطبائي(ره) في تفسيره الميزان، ولا بأس بنقل كلامه(رض) تيمناً وتبركاً، قال(قده): وأما الأحكام الجزئية المتعلقة بالحوادث الجارية التي تحدث زماناً وزماناً، وتتغير سريعاً بالطبع، كالأحكام المالية، والانتظامية المتعلقة بالدفاع، وطرق تسهيل الارتباطات، والمواصلات، والانتظامات البلدية ونحوها، فهي مفوضة إلى اختيار الوالي ومتصدي أمر الحكومة، فإن الوالي نسبته إلى ساحة ولايته كنسبة الرجل إلى بيته، فله أن يعزم ويجري فيها ما لرب البيت أن يتصرف به في بيته، وفيما أمره إليه، فلوالي الأمر أن يعزم على أمور من شؤون المجتمع في داخله، أو خارجه، مما يتعلق بالحرب، أو السلم، مالية، أو غير مالية يراعي فيها صلاح حال المجتمع بعد المشاروة مع المسلمين، كما قال تعالى:- (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله)[17]، كل ذلك في الأمور العامة.

وهذه أحكام وعزمات جزئية تتغير بتغير المصالح والأسباب التي لا يزال يحدث منها شيء ويزول منها شيء غير الأحكام الإلهية التي يشتمل عليها الكتاب والسنة ولا سبيل للنسخ إليها[18]. بل هناك من يرجع أصل الفكرة إلى القرآن الكريم.

والانصاف، إن عدّ كلمات القوم ظاهرة في ذلك، فضلاً عن أن تكون صريحة فيها لا يخلو عن مجازفة، ودونك عبارة السيد العلامة الطباطبائي(ره) التي نقلناها، وغيرها من العبائر، فإنك لا يكاد تستوحي منها ما يشير من قريب أو بعيد للمدعى، فضلاً عن أن يدل عليه، والأمر سهل.

 

نظرية الفراغ التشريعي:

وحاصل نظرية الشهيد السعيد(قده)، أن الشريعة المحمدية تحتوي على نوعين من الأحكام:

الأول: الاحكام الإلزامية، وهي التي يعتمد في معرفتها على النص سواء من القرآن الكريم، أم من السنة المطهرة.

الثاني: المباحات، وهي المنطقة الفارغة من الحكم الشرعي، والتي يكون لولي الأمر أن يشرع فيها القوانين الالزامية وفقاً لما يراه من مصلحة في ضوء العناوين العامة للشريعة الاسلامية، وهذا ما يعبر عنه بمنطقة الفراغ التشريعي. قال(قده): كل فعل مباح تشريعاً بطبيعته ولم يرد نص تشريعي يدل على حرمته، أو وجوبه، يسمح لولي الأمر بإعطائه صفة ثانوية بالمنع عنه، أو الأمر به[19].

 

والظاهر أن المقصود من المباح في النوع الثاني ما يقابل الأحكام الإلزامية فيكون شاملاً المستحبات والمكروهات كشموله للمباحات، وهو المعبر عنه في كلمات الأعلام بالإباحة بالمعنى الأعم[20].

ووفقاً لهذا المعنى سوف يلتـزم بعدم استيعاب الأحكام الشرعية أفعال المكلفين، وتلبية كافة احتياجاتهم، لأن هناك بعض الموضوعات الشرعية والتي يفترض أن يطبق عليها حكم شرعي قد خلت من ذلك.

ومع أن النظرية المذكورة تقترب كثيراً من التعبير الوارد في كلام بعض علماء المسلمين، من التعبير بالوقائع التي خلت من الحكم الشرعي بسبب عدم النص فيها، ما يوجب تصور رجوعهما إلى معنى واحد، فيؤلان من حيث النتيجة لنفس المؤدى ويحققان ذات الغرض.

إلا أنها تختلف عنه من حيث المضمون التركيبي، ما يكشف عن وجود مغايرة بينهما، لأن النظرية محل البحث تقرر وجود حكم شرعي غير إلزامي، ولا تنفي وجوده، وهذا بخلاف الموجود في كلمات بعض علماء المسلمين، فإن مفاده عدم وجود حكم شرعي أصلاً.

 

عناصر نظرية الفراغ التشريعي:

وتقوم النظرية المذكورة على عناصر ثلاثة:

الأول: أن الشريعة المحمدية تحتوي في نظامها التشريعي على منطقة خالية من أي حكم إلزامي، فلا يوجد فيها وجوب ولا حرمة، وتسمى هذه المنطقة بمنطقة الفراغ.

الثاني: لا يعني وجود منطقة الفراغ في الشريعة وجود نقص في الصور التشريعية، أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبر عن استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة.

الثالث: لقد جعل الاسلام منطقة الفراغ والتي هي خالية من الأحكام تحت تصرف ولي الأمر حتى يقوم بملئها على أساس مصالح ومقتضيات الزمان، وفي ضوء أهداف ومقاصد الشريعة.

 

 

 

[1] ومن الواضح أن مدلول هذه النظرية هو التسليم بالإشكالين الأول والثاني من الإشكالات الثلاثة التي سبق عرضها.

[2] يظهر من بعض الباحثين كما سيتضح عدّه الاتجاهات ثلاثة، وسوف نشير لذلك إن شاء الله.

[3] لسان العرب ج 1 ص 467، مجمع البحرين ج 2 ص 196، مفردات ألفاظ القرآن الراغب الأصفهاني، وقد عمد إلى تعريفه من خلال ذكر ضده، قال: الثبات ضد الزوال.

[4] سورة إبراهيم الآية رقم 27.

[5] سورة الرعد الآية رقم 29.

[6] سورة البقرة الآية رقم 265.

[7] سورة النساء الآية رقم 66.

[8] سورة الحديد الآية رقم 25.

[9] يمكن ملاحظة هذا المعنى في كلام الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن الكريم، وكذا في مختار الصحاح، وفي المنجد، ومجمع البحرين للطريحي.

[10] سورة الأنفال الآية رقم 53.

[11] سورة الرعد الآية رقم 11.

[12] اقتصادنا ص 804.

[13] أشار لهذا السيد علي أكبر الحائري في منطقة الفراغ التشريعي ص 112.

[14] سورة النساء الآية رقم 59.

[15] مفاتيح الغيب ج 10 ص 143.

[16] جامع البيان ج 5 ص 202.

[17]  سورة آل عمران الآية رقم 159.

[18] الميزان ج 4 ص 121 تفسير سورة آل عمران الآية رقم 200.

[19] اقتصادنا ص 804.

[20]  هناك كلام بين الباحثين وعلماء الأصول في عدّ الإباحة بالمعنى الأخص من الأحكام الشرعية وعدمه، وقد أشير لذلك في كلماتهم فيمكن مراجعة ذلك.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة