شرف المؤمن

لا تعليق
من القلب إلى القلب
80
0

من كلام لإمامنا أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: شرف المؤمن صلاة الليل، وعزه كف الأذى عن الناس[1].

تمهيد:

كثيراً ما يدور سؤال في أذهان الكثيرين حول المقياس الذي يمكن أن يقيم الفرد على وفقه في بيان ما يملكه من شرف وعزة، فهل أن الميزان يعود إلى الجانب الانتسابي والحسبي، فمتى كان منـتمياً إلى عائلة شريفة، ذات حسب ونسب كبيرين، حكمنا عندها بأنه شريف عزيز؟!!!

أم أن المدار على المقدار المالي والمنـزلة الطبقية له في الوجود الاجتماعي، فوفقاً لما يملكه أو تملكه أسرته من قدرة مالية يحكم بكونه عزيزاً وشريفاً، فيكون منشأ العزة والشرف بالنسبة إليه حسب القدرة المالية الموجودة عنده؟!!!

أم أن الميزان في ذلك يعود إلى الوجاهة الاجتماعية، لأنه ربما لا يكون الشخص حسيـباً ومليّاً، لكنه يكون ذا وجاهة اجتماعية أكتسبها من جوانب أخرى، وهذه الوجاهة الاجتماعية التي تحصّل عليها تكون السبب في بلورة منـزلته الشرفية ومقدار عزته، فيحكم بكونه عزيزاً وشريفاً وفقاً لهذه المنـزلة والوجاهة الاجتماعية؟!!!

كل هذه الاحتمالات لو أردنا أن ندرسها لوجدناها تصب في مصب واحد وهو البعد المادي، حيث أنها عمدت إلى تميـيز الإنسان وملاحظة مقدار ما يملكه من شرف وعزة وفقاً لمنظور مادي بحت، من دون أن تكون هناك نظرة ذات مغزى أبعد وأسع، فضلاً عن وجود نظرة شمولية.

وفي جميع هذا، أين يقف الدين الإسلامي في ميزانه وتقيـيمه، وإعطائه صفة الشرف والعزة للفرد، فهل يا ترى أن الإسلام سوف يأخذ واحداً من هذه الطروحات المادية كما هي، أم أنه سوف يعمد إلى إضافة شيء عليها، فيجري لها ترميماً ولو طفيفاً، حتى تكون ذات مقبولية وتنسجم مع معطياته، أم أن للإسلام طريقاً آخر يغاير هذه الطروحات جميعها؟!!!

كل هذه التساؤلات يجيب عليها رئيس المذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) في كلمته التي جعلناها مفتـتح حديثنا، حيث نراه(ع) قد أوضح الطروحة الإسلامية والمعيار في بسط عنواني الشرف والعزة على الإنسان، وقد تجلت تلك الطروحة في التجرد المطلق عن العنصر المادي، والارتباط بالعنصر المعنوي، فجعل(ع) الميـزان لكل واحد منهما أمراً لا ربط له بشيء مما ذكره وتصوره الماديون، بل هو أمر آخر مغاير تماماً، فما هما الأمران المجعولان من قبله(ع)؟….

ميزان الشرف في الإسلام:

أما بالنسبة إلى الشرف فقد جعل الإمام(ع) أن الميزان يتبلور في العلاقة المعراجية التي يؤديها العبد من خلال رحلته من عالم الناسوت إلى عالم الملكوت في أوقات الخلوة، عندما تغمض الأجفان وتهدأ الأنفس، وتخلد للمضاجع، في تلك الآنات يبرز الشرفاء من الناس، كيما يخلو مع حبيـبهم وعشقهم الأزلي، فيعرجون له من خلال سلم الصعود، من خلال صلاة الليل التي تمثل شمعة السحر، فيقومون لله سبحانه يناجونه، ويدعونه، ويتضرعون إليه، يعيشون معه أحلى ساعات الشرف، ويتهجدون إليه.

فالشرف كل الشرف في هذه الحالة الروحية الخالصة والخاصة التي لا يملكها كل أحد، وإنما هي خاصة بفئة من الناس، الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ويدعون ربهم تضرعاً وخيفة.

ميزان العزة في الإسلام:

وأما ميزان العزة، فهي أيضاً من الأمور التي لا يتصورها الكثيرون، فكما أن ميزان الشرف بعده معنوي روحي، فكذلك ميزان العزة أيضاً، إذ يذكر(ع) أنه عبارة عن كف الأذى عن الناس، لأن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه.

——————————————————————————–

[1] الخصال باب الواحد.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة