وجوب الحج مرة واحدة

لا تعليق
خواطر حوزوية
168
0

المعروف بين الأصحاب،أنه يجب على كل مكلف الحج مرة واحدة في عمره،بل في التهذيب لا خلاف فيه بين المسلمين [1].

وفي المنتهى أن عليه إجماع المسلمين، قال : وقد حكي عن بعض الناس أنه يقول : يجب في كل سنة مرة وهذه حكاية لا تثبت وهي مخالفة للإجماع والسنة .[2]

وقال في التذكرة : الحج يجب بأصل الشرع مرة واحدة وكذا العمرة ولا يجب أزيد منها وهو قول عامة أهل العلم…. ولا خلاف بين المسلمين كافة في ذلك ولا عبرة بقول من شذ من العامة [3]. وقال في القواعد : فالواجب إما بأصل الشرع وهو حجة الإسلام مرة واحدة في العمر ،وقد أوجبه في كتاب العلل على المستطيع كل عـام[4].

وقد استدل للمشهور بأمور :-

أولها : الإجماع المدعي في كلام الشيخ «ره» والعلامة «قده». قال في الجواهر : إجماعاً بقسميه من المسلمين فضلاً عن المؤمنين[5].

ولا يخفى أن مثل هذا الإجماع لا يصلح للاستدلال لعدم كاشفيته عن رأي المعصوم «ع» فلا تعبدية فيه.

نعم لو قيل بحجية الإجماع من باب حساب الاحتمالات،لكان الاستدلال به وجيهاً جداً.

الثاني : قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ). [6] حيث تعلق الوجوب بالماهية والأمر بطبيعة الحج ، ويتحقق امتثال الأمر المتعلق بالماهية بإيجادها في الخارج ولو مرة واحدة لتحقق الطبيعة به ، ولما لم يوجد من الخارج دليل آخر يستدعي التكرار كما في الصلاة والصوم فلا يمـكن الالتزام بلزوم التكرار ، ومع الشك في وجوب الزائد فالمرجع هو أصالة البراءة عن الوجوب الزائد.

الثالث : النصوص الدالة صراحة على عدم وجوب الزائد كما أن بعضها يدل على ذلك بالظهور :-

منها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله «ع» قال : ما كلف الله العباد إلا ما يطيقون إنما كلفهم في اليوم والليلة خمس صلوات ـ إلى أن قال ـ وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك .[7]

ومنها : خبر محمد بن سنان إن أبا الحسن علي بن موسى الرضـا «ع» كتب إليه فيما كتب عن جواب مسائله قال: علة فرض الحج مرة واحدة لأن الله تعالى وضع الفرائض علي أدنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحداً ثم رغب أهل القوة على قدر طاقتهم . [8] وغيرهما من النصوص .

لكن في مقابلها روايات ظاهرة في الوجوب في كل عام قد استند إليها الصدوق «ره» في فتواه في العلل، فإنه بعدما نقل خبر محمد بن سنان السابق قال : جاء هذا الحديث هكذا والذي أعتمده وأفتي به أن الحج على أهل الجدة في كل عام فريضة .

وكيف كان فمن النصوص التي تمسك بها الصدوق(قده) :

خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى «ع» قال : إن الله عز وجل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام وذلك قوله عز وجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) قال : قلت فمن لم يحج منا فقد كفر ؟ قال : لا ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر. [9]

ومنها : خبر حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله «ع» قال : إن الله عز وجل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام. [10]

ومنها : أبي جرير القمي عن أبي عبد الله «ع» قال : الحج فرض على أهل الجدة في كل عام[11].

ومنها : خبر الميثمي رفعه إلي أبي عبد الله «ع» قال : إن في كتاب الله عزوجل فيما أنزل الله ( ولله على الناس حج البيت ) في كل عام من استطاع إليه سبيلاً .[12]

وقد ذكرت عدة وجوه للجمع بينهما :-

منها : ما استقربه في الوسائل بحمل الطائفة الأولي على الوجوب العيني والطائفة الثانية على الوجوب الكفائي. وعقد «ره» بابين بهذين العنوانين فأورد كل طائفة في باب . واستوجهه في الحدائق «ره» وأيده بما دل على عدم جواز تعطيل الكعبة وإلا أستحق الناس العقاب وأن الإمام يجبر الناس على الحج متى تركوه [13]. وقد نفى في العروة البعد عن هذا الوجه . [14]

أقول : ينبغي نقل بعض الروايات الواردة في كلا الأمرين لنرى مدى تمامية الدعوى:-

فمما يدل على عدم جواز تعطيل الكعبة صحيحة حماد عن أبي عبد الله «ع» قال كان علي صلوات الله عليه يقول لولده يا بني انظروا بيت ربكم فلا يخلون منكم فلا تناظروا . [15]

ومنها : خبر الحسين الأحمسي عن أبي عبد الله «ع» قال : لو ترك الناس الحج لما نوظروا العذاب . أو قال: أنزل عليهم العذاب . [16]

وأما ما يدل علي إجبار الولي فمنها : صحيحة حفص البختري وهشام بن سالم ومعاوية بن عمار وغيرهم عن أبي عبد الله «ع» قال: لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ولو تركوا زيارة النبي «ص» لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين.[17]

ومنها : خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله «ع» قال : لو عطل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج إن شاءوا وإن أبوا فإن هذا البيت إنما وضع للحج . [18]

أقول : هذه الرواية ضعيفة .

وأورد عليه في الجواهر : بأنه مخالف لإجماع المسلمين على الظاهر كما أن نصوص الإجبار خارجة عما نحن فيه لعدم اختصاصها بأهل الجدة كما يدل على ذلك ذيل صحيح حفص المتقدم لاشتماله على أنهم لو لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين .

أقول : وأما نصوص عدم جواز تعطيل الكعبة فعمدة ما تفيد المنع عن تعطيلها وهو كما يتحقق بالحج يتحقق بالعمرة أيضاً .

ومنها : ما يحكى عن الشيخ والمحقق في المعتبر وسيد المدارك وأختاره في الجـواهر وهو حمل الطائفة الثانية على الاستحباب لأن الأخبار الدالة على الاكتفاء بامتثاله مرة واحدة نص بينما الأخبار الدالة على وجوبه في كل عام ظاهر فيمكن حملها على الاستحباب .

إن قلت : ما تقول في لفظ «الفرض» فإنه لا يستعمل في الاستحباب

قلت : من المحتمل أن يكون المراد منه معناه اللغوي وهو الثبوت وهو أعم من الوجوب والاستحباب[19].

ويلاحظ عليه : إن ما ذكر لا يتم مع الاستشهاد بالآية المباركة كما في خبر علي بن جعفر حيث عرفت فيما تقدم دلالته على الوجوب ، كما أن خبر الميثمي يأبى عن ذلك أيضاً لورود لفظ كل عام بنحو التفسير لها.

ومنها : حمل الطائفة الثانية على الوجوب البدلي بمعني أنه يجب على كل أحد مع الاستطاعة أن يحج في عامها وإن تركه ففي العام الثاني وإن تركه ففي الثالث وهكذا . ويكون معنى وجوبه في كل عام عدم سقوطه حتى لو خالف وترك بل هو باق على العهدة . وقد أختار هذا الشيخ في التهذيب والعلامة في المنتهى . [20]

وفيه : إنه من الجموع التبرعية حيث لا شاهد عليه خصوصاً أنه تصرف في ظاهر النصوص وتقييد لإطلاقاتها .

ومنها : ما أختاره بعض الأعاظم «ره» وحاصله : إن المراد منها هو حملها على أن الحج واجب في كل سنة قمرية رداً على الجاهلية لأنهم كانوا يتركون الحج في بعض السنين القمرية على أساس أنهم يعدون السنة بالحساب الشمسي . [21]

وفيه : إن هذا الوجه يحتاج قرينة وهي مفقودة في المقام . وما ذكر «قده» من الاستشهاد بآية النسيء لا يصلح قرينة على ذلك لأن الظاهر منها هو تغيـير محل الأشهر الحرم لا إسقاطها.

ومنها : أن يكون المراد من قوله «في كل عام» حمله على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية فيكون مفادها عدم اختصاص وجوب الحج بزمان نزول الآية المباركة بل هو حكم ثابت إلى يوم القيامة على المستطيع فليس المراد وجوب الحج على المستطيع في كل عام بل المراد ثبوت الحكم إلى يوم القيامة.

أقول : إنما يتم هذا الوجه لو جعلنا «في كل عام» ظرف لاستمرار حكم واحد. أما لو جعلناه ملحوظاً مستقلاً وموضوعاً برأسه كما هو الظاهر يسقط حينها هذا الوجه عن الاعتبار.

ومنها : أن يكون الظرف في الطائفة الثانية قد تعلق بأهل الجدة فيكون المعنى حينئذٍ : يجب الحج على أهل جدة السنة في كل عام .

ومؤداها وجوبه على المستطيع مرة واحدة لأن من وجب عليه الحج في السنة الماضية فهو من أهل جدة تلك السنة لا أنه من أهل جدة هذه السنة ولذا لا يجب عليه الحج مرة أخرى.

والإنصاف أنه وجيه في نفسه إلا أنه خلاف الظاهر حيث أن المستفاد من الأخبار تعلق الظرف وهو في كل عام بفرض لا بأهل الجدة.

هذا وبعد استقرار المعارضة لا محيص عن ملاحظة أخبار العلاج فنقول :

مقتضى الاستناد للشهرة بقسميها سواءاً كانت مرجحة أم مميزة هو تقديم الأخبار الدالة على

الاكتفاء بالحج مرة واحدة. لأنها أشهر رواية على تأمل، كما أنها أشهر فتوى، كما أن مقتضى ما قربناه في الآية المباركة هو تقديم نصوص المرة الواحدة أيضاً لموافقتها للكتاب نعم لو وصلت النوبة لمخالفة العامة لاقتضى ذلك تقديم أخبار الوجوب في كل عام لمخالفتها لهم.

هذا وإن منع عن الرجوع لأخبار العلاج بعد استقرار المعارضة فلا بد من التساقط حينئذٍ فيكون المرجع هو الآية المباركة،على أنها ليست طرفاً للمعارضة،وإلا فلا تصلح للمرجعية،فيكون المرجع هو الأصل العملي وهو يقضي بالبراءة عن وجوب الزائد.

هذا كله لو دخلت أخبار الوجوب في كل عام على أهل الجدة في دائرة الحجية لأن شبهة الإعراض عنها إن لم تكن متعينة فلا أقل من كونها قوية جداً.

——————————————————————————–

[1]- تهذيب الأحكام ج5 ذيل الحديث 45 .

[2]- منتهى المطلب ج2 ص643.

[3]- تذكرة الفقهاء ج7 ص15.

[4]- علل الشرائع ج2 ص405 .

[5]- جواهر الكلام ج ص

[6]- سورة آل عمران الآية 97.

[7]- الوسائل ب3 من أبواب وجوب الحج ح1 .

[8]- المصدر السابق ح3.

[9]- الوسائل ب2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح1 .

[10]- المصدر السابق ح2 .

[11] – المصدر السابق ح4.

[12]- الوسائل ب2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح7 .

[13]- الحدائق الناظرة ج ص .

[14]- العروة الوثقى ح2 اكتساب الحج .

5- الوسائل ب4 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ح2.

6- المصدر السابق ب3 ح2 .

7- المصدر السابق ب5 ح2 .

1- المصدر السابق ح1 .

2_ المعتبر ج ص . المدارك ح ص . جواهر الكلام ج

3- تهذيب الأحكام ج ص . المنتهى

1- معتمد العروة ج1 ص16 .

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة