قضاء شهر رمضان المبارك
المعروف بين الأعلام أن قضاء ما فات المكلف من صيام شهر رمضان المبارك من الواجبات الموسعة، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى قضاء ما فات الإنسان من الصوم مباشرة بعد شهر رمضان المبارك، فلا يجب على الحائض التي أفطرت خلال شهر رمضان أيام حيضها المبادرة إلى قضاء الصوم بعد انتهاء الشهر الكريم مباشرة، بل يمكنه القضاء إلى ما قبل حلول شهر رمضان الجديد من السنة اللاحقة.
نعم يستحب لمن فاته شيء من صوم شهر رمضان المبارك المبادرة إلى قضائه قبل حلول شهر رمضان الآخر من السنة اللاحقة.
كفارة تأخير القضاء:
إذا أخر المكلف قضاء صوم شهر رمضان حتى دخل عليه شهر رمضان الآخر، فهنا فرعان:
الأول: أن يفوته صيام شهر رمضان أو بعضه لعذر.
الثاني: أن يفوته صيام الشهر الكريم لغير عذر.
فوات الصيام لعذر:
أما الفرع الأول، وهو ما إذا فاته صوم شهر رمضان المبارك أو بعضه لعذر، فهنا صورتان:
الأولى: أن لا يكون عازماً على القضاء لما فاته، وهنا حالتان:
الأولى: أن يفطر المكلف خلال شهر رمضان المبارك بسبب عذر منعه من الصوم كما لو كان مريضاً خلال الشهر لكريم، وأمكنه القضاء إلا أنه لم يقض، سواء كان تركه للقضاء بسبب عزمه على عدم القضاء وبنائه على تعمد تأخير القضاء لحين دخول شهر رمضان اللاحق، أم لم يكن عازماً على التأخير لكنه كان متهاوناً في عملية القضاء حتى دخل شهر رمضان اللاحق، ففي هاتين الحالتين يلزمه قضاء ما فاته من الصيام بعد شهر رمضان اللاحق، كما يجب عليه إخراج الفدية، وهي كفارة التأخير ومقدارها كيلو إلا ربع من الطعام عن كل يوم تأخير.
الثانية: أن يفطر المكلف في شهر رمضان المبارك لعذر قد طرأ عليه، ويكون عازماً على قضاء ما فاته من الصيام خلال الشهر الكريم، إلا أنه طرأ عليه مانع منعه من القضاء كما لو أفطرت المرأة خلال شهر رمضان المبارك بسبب الحيض، وكانت عازمة على قضاء ما فاتها، لكنها حملت قبل قيامها بالقضاء، وصار القضاء عليها خلال فترة الحمل متعذراً، فهنا يجب عليها قضاء ما فاتها بعد شهر رمضان اللاحق، كما يجب عليها دفع فدية عن كل يوم تأخير كيلو إلا ربع من الطعام.
الفرع الثاني: أن يفوته صيام شهر رمضان المبارك، أو بعضها لغير عذر، كمن أختار السفر خلال شهر رمضان من أجل الإفطار، كما لو كان شهر رمضان خلال اشهر الصيف من السنة، وكان النهار طويلاً ولم يكن المكلف راغباً في الصيام خلال هذه الفترة فأختار السفر من أجل الافطار، ومن ثمّ القضاء، فإذا لم يقم المكلف بقضاء ما فاته من الصوم سواء كان ذلك بسبب عذر طرأ عليه ومنعه من القضاء كالمرض مثلاً، أم كان ذلك بسبب تهاون منه في عملية القضاء حتى دخل عليه شهر رمضان اللاحق، أم كان عازماً على عدم القضاء، وجب عليه في جميع ذلك قضاء ما فاته بعد شهر رمضان اللاحق، ودفع فدية عن كل يوم مقدارها كيلو إلا ربع من الطعام.
نوع الفدية:
قد عرفت وجوب الفدية مضافاً لقضاء ما فات من الصوم، ويعتبر فيها أن تكون طعاماً، فلا يجزئ دفعها نقداً، فلو أعطى الفقير عوضاً عن الطعام قيمة الطعام لم يجز ذلك في أداء الفدية التي يلزمه أداؤها. نعم يمكن أن يوكل الفقير في شراء الطعام بأن يعطيه المبلغ المالي فيشتري به طعاماً، ثم يقبضه لنفسه.
تكرر الفدية:
تقدم أن من ترك قضاء شهر رمضان لعذر حتى جاء شهر رمضان اللاحق لزمه الفدية مع القضاء، فإذا لم يقضه حتى جاء شهر رمضان الثاني، لم تجب عليه الفدية مرة ثانية، وهكذا كلما أخر القضاء حتى دخل عليه شهر رمضان جديد، لم يلزمه فدية جديدة، وإنما تبقى ذات الفدية، نعم لو فاته صيام شهر جديد من سنة جديدة لزمته فدية جديدة.