مدخل:
يعتبر البحث عن الإمامة،بحث في غاية الحساسية،والأهمية،ولذا نعتقد بوجوب معرفة الإمام،بعد النبي(ص)لأنه لا يمكن أن يترك رسول الله(ص) الأمة دون أن يعين لها قائداً وخليفة من بعده.
وتـتجلى أهمية البحث حول الإمامة من جهة أن الإمام يمثل الواسطة بين بين الرب سبحانه وتعالى وبين الخلق،لأنه الذي نعتمد أقواله وأفعاله وجميع ما صدر منه لتكون حجة لنا يوم القيامة بين يدي الله سبحانه وتعالى.
ولهذا ينبغي أن يعرف الإمام بعد النبي(ص)وما هي الصفات التي لابد من توفرها فيه،وكيف تعين كونه هذا الشخص بعينه.
خصوصاً بعد كونه الواسطة التي نصل من خلالها إلى طاعة الله تعالى كما بينا،مضافاً لكونه القدوة التي نـتخذها في حياتنا من خلال ما يصدر منه من أفعال وأقوال.
ولهذا أحبننا أن نتعرض في شهر رمضان المبارك،وهو شهر المعرفة والدراية والإطلاع،إلى البحث حول هذا الأصل المهم من أصول العقيدة،محاولين استعراض الأدلة الدالة على أن النبي(ص)قد عين من بعده إماماً وخليفة للأمة يتولى إدارة شؤونها،وعليها أن تـتبعه،من خلال الأدلة القرآنية ببيان الآيات التي تشير إلى ذلك،ومن خلال النصوص الواردة عن النبي(ص).
هذا وسنحاول أن تكون الأدلة التي نتعرضها من كتب الطرف الآخر،والنكتة الداعية لنا إلى التعرض لذلك من كتبهم ليس لأننا نفتقد إلى ذكر ذلك في كتبنا،وإنما أصول المناظرة تستدعي أن تكون الحجة الإفحامية للخصم مما يدين به هو ويعتقده،ولذا لا يصح أن يحاج شخص بشيء لا يعتقد هو به.
هذا وقبل الدخول في الحديث الشريف حول الإمامة،نتعرض لمقدمة مختصرة حول العقيدة،فنقول:
العقيدة
معنى العقيدة:
كلمة (عقيدة) مشتقة من المصدر عقد،الذي يعني الإحكام والشد والربط،وربط الشيء بشيء آخر،أو شده إليه،يمكن أن يكون حقيقياً ومادياً حيناً،كتطعيم شجرة ببرعم أو بغصن من شجرة أخرى،ويمكن أن يكون إعتبارياً ومعنوياً حيناً آخر،كزواج رجل بإمرأة برتبط بها بواسطة عقد قرانه عليها.
فالعقيدة إذاً عبارة عن ذلك الشيء الذي يتصل بذهن الإنسان وروحه وفكره،فعندما يتقبل الذهن أن الأرض تدور حول الشمس أو أن الشمس تدور حول الأرض،وعندما يتقبل أن الدم يدور في الجسم أو لا يدور،وعندما يتقبل أن للكون خالقاً أو ليس له،وعندما يتقبل أن الإنسان بعد مماته يحيى أو لا.
فتقبله لأية نظرية حقاً كانت أم باطلاً،يعني شدّ تلك النظرية إلى الذهن وربطها به وإحكام صلتها فيه.
دور العقيدة:
إن عقائد الإنسان وتصديقاته هي الأساس لجميع توجهاته في الحياة،وعليه فالعقيدة صاحبة الدور الأكبر في الحياة الفردية والإجتماعية،وعلى حد:- (كل يعمل على شاكلته)[1].
فعقائد الإنسان وتصديقاته هي التي تحدد شكل الإنسان وشاكلته،وتشكل هيأته الباطنية وحقيقته،وهي التي تحفزه إلى العمل وتحدد اتجاهه في الحياة،فإذا كانت عقيدته صائبة مطابقة للواقع،كان طريق حياته صائباً كذلك،أما إذا كانت عقيدته فاسدة باطلة فإن طريق حياته لا يؤدي إلا إلى الضياع.ومن ثم كان اهتمام الإسلام بتصحيح العقيدة قبل أي شيء آخر.
ومن المؤكد أنه ليست هناك مدرسة تفوق مدرسة الإسلام في تقديرها للعقيدة،فالعقيدة في الإسلام هي المعيار لتقيـيم الأعمال،حتى الأعمال الصالحة فإنها تعتبر فاقدة لقيمتها ما لم تنبعث عن عقيدة صحيحة صائبة،يقول الإمام أبو جعفر الباقر(ع):لا ينفع مع الشك والجحود عمل.
وهذا يعني أن صحة العمل وفائدته ودوره في تكامل الإنسان،مرتبط بصحة عقيدة العامل،فإن لم تـتوفر في الإنسان سلامة عقيدته وكان منكراً لما هو حق أو اعتراه الشك فيه،فإن ما يتأتى عن عقيدته من عمل،لا يمكن أن يكون سالماً أو يجدي نفعاً.ذلك لأن العقيدة هي التي تـثير في الإنسان دافعاً للعمل،والدافع هو الذي يوجه العمل،والدافع والإتجاه كلاهما يحدد مفهوم العمل ومعناه ولياقته وعدم لياقته.
ولذلك فإن من وجهة نظر الإسلام،أول ما يطرح على الإنسان بعد مماته لدى دخوله في عالم الآخرة من استجوابات مبدئية لتـثبت في ملف أعماله،هو السؤال عن العقائد.فأول سؤال عن العقيدة،لا عن العمل:بأي إله آمنت،وبأي دين اعتقدت،ومن هو أسوتك ورائدك الذي اتبعته؟…
ولا يمكن العثور على مدرسة بين مدارس العالم تعير العقيدة الإنسانية ما يعيرها الإسلام من الإهتمام والقيمة والإحترام البالغ،فالبحوث العقائدية من وجهة النظر الإسلامية تـتصدر البحوث على الإطلاق.
هذا وينبغي للمؤسسات العلمية الدينية والجامعات في الأقطار الإسلامية أن تولي اهتمامها الفائق للمحاضرات والبحوث والمسائل العقائدية أولاً وقبل كل شيء.
وإنه لمن الضروري إذا ما شئنا أن نستقصي وجهات النظر الإسلامية فيما يخـتص بأهمية المباحث العقائدية،أن نكون على اطلاع كافٍ بالنسبة لموضوعات المعرفة،والفقه،والفكر،والعقل،والعلم،والفتوى،والرأي في النصوص الإسلامية.
عظة بالغة:
هذا ومن الواضح أن التفصيل في كل واحد من هذه الأمور والتعرض لها بصورة مفصلة،يخرجنا عما نحن بصدده،فضلاً عن أنه يخرج هذا البحث عن المدخل والمقدمة،لكننا نكتفي بنقل رواية نقلها شيخنا الصدوق في كتبه معاني الأخبار،والتوحيد،والخصال،عن شخص يدعى المقدام بن شريح عن أبيه،قال:بينما رحى الحرب دائرة في معركة الجمل،إذ بأعرابي ينهض واقفاً ويقول بصوت عالٍ:يا أمير المؤمنين،أتقول إن الله واحد؟…
لقد كان هذا السؤال في نظر المقاتلين في غير محله،حيث لا مناسبة له،خصوصاً وهم مشغولون بالتخطيط للعمليات الحربية،وكيفية تنفيذها،فالسؤال الذي ينبغي أن يطرح في ذلك الموقف ما له علاقة بالحرب وخططها.
ووجهت للأعرابي مجموعة من الإعتراضات،وإذا بأمير المؤمنين(ع)يتدارك الموقف ببيان موعظة تعليمة عظيمة،تعبر بدقة عن أهمية العقائد ودروها،وعن قيمة الدروس التي تلقى في صددها،فقال(ع):دعوه،فإن الذي يريده الأعرابي،هو الذي نريده من القوم.
ثم قال(ع):يا أعرابي،إن القول في أن الله واحد،على أربعة أقسام:فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل،ووجهان منها يثبتان فيه.
——————————————————————————–
[1] سورة الإسراء الآية رقم 84.