التأويل في القرآن الكريم

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
437
0

لم ينحصر البحث عن مسألة التأويل في القرآن الكريم على خصوص البحوث القرآنية، بل أخذت حيزاً في الفكر الإسلامي، بصورة عامة، لأن تأثيرها لمينحصر في خصوص علم التفسير، بل لها دخالة في الكثير من المعارف، كالكلام والفلسفة والعرفان والفقه، والأصول، وغير ذلك. وقد كان لهذه المسألة مساحة أيضاً في الفكر الغربي، وأولوها أهمية خاصة، وإن جعلوها مرادفة للعلوم الباطنية، وهو ما ألتـزم به بعض المفسرين الإسلاميـين.

هذا وينبغي قبل التعرض لما للمسلمين حول هذه المفردة من رؤى، وما عندهم فيها من آراء، أن يحاط بالمقصود منها، وكيفية استعمالها في القرآن الكريم.

حقيقة التأويل لغة:

إن المستفاد من كلمات أهل اللغة أن التأويل مأخوذ من آل يؤول، وأن مصدره الثلاثي المجرد هو الأول، وهو يعني الرجوع إلى الأصل. وهذا يعني أن المقصود منه وفقاً لهذا الإرجاع إلى الأصل.

وقد استعملت هذه المفردة في سبعة عشرة مرة في القرآن الكريم، ويمكن تصنيف موارد استعمالها فيه على ثلاثة أصناف:

الأول: ما يكون التأويل فيها راجعاً لتأويل القول، مثل قوله تعالى:- (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)[1]، فإن التأويل فيها، تأويل للقول كما لا يخفى. ومثله قوله تعالى:- (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون* هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق)[2].

الثاني: ما يكون التأويل راجعاً للفعل، ويلحظ هذا في قصة العبد الصالح الخضر(ع)، مع نبي الله موسى(ع)، وقد صدرت من الخضر مجموعة من الأفعال التي لم يتمكن نبي الله موسى(ع) أن يتحملها، لأنه كان يحملها على ظاهرها، ما دعى الحاجة إلى تأويل تلك الأفعال وبيان المقصود منها، قال تعالى:- (قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً)[3]. وقوله تعالى:- (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلاً)[4].

الثالث: الآيات التي تحدثت عن وجود تأويل للرؤيا والأحلام، وقد تضمنت قصة نبي الله يوسف(ع) الإشارة إلى العديد من ذلك،، فلاحظ قوله تعالى:- (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعمله من تأويل الأحاديث)[5]. وقوله سبحانه:- (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً)[6].

ولا يذهب عليك أنه لو بني على أنه ليس للقرآن الكريم حقيقة أخرى في المقصود من التأويل مغايرة لما ورد في معناه اللغوي، فذلك يقتضي أن يكون المقصود من تأويل القول هو إرجاعه إلى أصله، كما أن تأويل الفعل يكون برجوعه إلى أصله، ومثل ذلك تأويل الرؤيا، فلاحظ.

وقد أوجب تعدد الاستعمال القرآني لهذه المفردة تعدد النظريات الاسلامية حولها، إذ أن المتابع لكلماتهم يجد أنهم يختلفون بين من يجعل التأويل في جميع موارد الاستعمال يعود لمعناه اللغوي، وأنه لا يوجد للقرآن الكريم حقيقة أخرى مغايرة للحقيقة اللغوية، وبين من يلتـزم بوجود معنى آخر يقصد من هذا التعبير القرآني، وأنه يشير إلى حقيقة أخرى تختلف عن الحقيقة التي ذكرها اللغويون.

مسلكان في حقيقة التأويل القرآني:

ووفقاً لما تقدم، وجد مسلكان في فهم التأويل الذي تضمنته الآيات القرآنية:

فألتـزم أصحاب المسلك الاول، بأن التأويل من مقولة المعنى والمفهوم، وعليه سوف يكون التأويل مختصاً بالآيات القرآنية المتشابهة، دون الآيات المحكمة. ومنع أصحاب المسلك الثاني أن يكون من قبيل المفاهيم التي يدل عليها بواسطة الألفاظ، بل هو من الأمور العينية التي تستند إليها البيانات القرآنية، من حكم أو مواعظ، أو حكمة. وبناء على ذلكجعلوه جارياً في جميع الآيات القرآنية من دون فرق بين المحكم والمتشابه منها، فلاحظ.

المسلك الأول في معنى التأويل:

وقد وجدت بين القائلين بأن التأويل من مقولة المعنى والمفهوم، نظريتان في بيان المقصود منه:

الأولى: أختارها قدماء المفسرين، وهي التي عرفت التأويل بأنه التفسير، فالمقصود من التأويل في قوله تعالى:- (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)[7]، هو التفسير، وبيان ذلك أن يقال: لا يخفى أن الآيات القرآنية يمكن تصنيفها إلى صنفين:

الأول: ما يكون المقصود منه معلوماً بالضرورة، فيمكن لكل أحد أن يحيط بالمقصود منه، وهو الآيات المحكمة.

الثاني: وهو الآيات التي لا يتسنى لكل أحد الإحاطة بالمقصود بها وتحديد المراد منها، وهي الآيات المتشابهة، والتي ينحصر الإحاطة بها في خصوص الباري سبحانه وتعالى، والراسخين في العلم، وهي التي تكون بحاجة إلى بيان وتأويل، بمعنى ذكر توجيه صحيح لها، فيكون توجيهها تأويل لها، والتأويل بهذا المعنى نوع من التفسير كما لا يخفى.

فالتأويل على هذه النظرية، هو تفسير للكلمة، أو للموقف، أو الواقعة المبهمة، وذلك بإزالة الإبهام عن الكلمة المبهمة، أو عن الموقف المشكوك، أو الواقعة المتضمنة للريبة بإرجاعها إلى حقيقتها.

نعم ليس بين التأويل والتفسير مساواة حتى يورد بوجود الفرق بينهما، بل إن التفسير وفقاً لهذه النظرية أعم من التأويل، فلاحظ.

ولا يذهب عليك أنه وفقاً لما تضمنته هذه النظرية، سوف يكون الأمر منحصراً في خصوص الآيات المتشابهة دون الآيات المحكمة، كما لا يخفى.

فتأويل ما جرى من العبد الصالح الخضر(ع)، يكون من خلال إرجاعه إلى حقيقته، ببيان الأسباب التي دعته إلى القيام بما قام به من أعمال، كخرق السفينة، أو قتل الغلام، أو إقامة الجدار، فتدبر.

ومثل ذلك يمكن قوله في شأن الرؤيا والأحلام، فرؤيا ملك مصر كانت مريبة ومبهمة، خصوصاً مع الالتفات إلى وجود اللغة الرمزية في الرؤى والأحلام عادة، وقد قام نبي الله يوسف(ع) بإرجاعها إلى أصلها، فلاحظ.

مناقشة السيد الطباطبائي:

وقد أورد السيد العلامة الطباطبائي(قده) على هذه النظرية، بما حاصله:

إن اللازم من هذه النظرية اشتمال القرآن الكريم على بعض الآيات التي ينحصر فهم المراد منها في خصوص بعض الأفراد، مع أن القرآن الكريم كتاب هداية لعامة البشر، وإنما أنزله سبحانه وتعالى إليهم كي ما يتدبروا آياته، ويتفقهوا فيه، وحتى يعلم ما تضمنته من أمور، قال تعالى:- (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته)[8]، وهذا لا يستقيم مع الالتـزام بوجود آيات ينحصر طريق الإحاطة بالمقصود بها بخصوص فئة معينة من الناس[9].

ولا يذهب عليك أن هذا الإشكال مبني على تحديد المقصود من كون القرآن الكريم كتابة هداية وتعليم، وفقاً لما تضمنته الآيات الشريفة، وأن ذلك يختص بفئة معينة من البشر، وهم الذين يمكن أن نعبر عنهم بأنهم ذوي الاختصاص، أو أن المقصود من ذلك إمكانية الإحاطة بكل ما تضمنته آياته لكل أحد من الناس دون فرق بين الأفراد.

فلو بني على الثاني، كان ما أفاده السيد العلامة(ره)، في محله، ذلك أن وجود بعض الآيات الشريفة التي يختص الإحاطة بالمقصود بها بفئة معينة من البشر خلاف المدلول القرآني لجملة من آياته.

أما لو بني على الأول، وهو الظاهر، فلن يكون الإيراد المذكور وارداً على النظرية المذكورة، لأنه سوف يكون المقصود من كونه كتاب هداية وتعليم، أنه يمكن لذوي الاختصاص أن يعرّفوا الناس ما تضمنه القرآن الكريم من معارف وعلوم، ويكون ذلك سبيلاً لهدايتهم، فلاحظ.

الثانية: ما أختاره المتأخرون من الفقهاء والمتكلمين، والمحدثين، بأن المقصود من التأويل هو المعنى المخالف لظاهر الآية، ويقصد منها أن يعمد إلى صرف المعنى الراجح من اللفظ والظاهر فيه، إلى معنى آخر مرجوح، بسبب وجود دليل يقترن به.

وتعتمد هذه النظرية على توفر أمرين:

الأول: أن يكون اللفظ محتملاً للمعنى الذي سوف يحمل عليه، ولا يكون بعيداً عنه.

الثاني: وجود الدليل أو القرينة المساعدة على حمل اللفظ على ذلك المعنى، من دون فرق بين كونها قرينة داخلية، أو قرينة خارجية حافة بالكلام، توجب هذا الحمل.

ووفقاً لهذه النظرية سوف يكون للفظ حقيقة ثانية غير الحقيقة الأولى التي كانت له، فبعد ما كانت اليد تستعمل في كف الإنسان مثلاً، أصبحت تستعمل في القوة والقدرة، وبعدما كان الاستواء يستعمل في معنى الجلوس، أصبح يستعمل أيضاً في البسط والهيمنة، وهكذا.

مناقشة السيد العلامة:

وكما أورد السيد العلامة(ره) على النظرية الأولى، أورد على هذه النظرية أيضاً، بما حاصله:

إن البناء على هذه النظرية يستوجب الالتـزام بما لا يمكن الالتزام به وهو تضمن القرآن الكريم مجموعة من الآيات يراد منها خلاف ما هو الظاهر منها، ومن الطبيعي أن هذا يوجب وقوع الفتنة في الدين بسبب تنافي هذه الآيات مع الآيات المحكمة، وهو يستدعي القول بوجود اختلاف في القرآن الكريم بين الآيات، ولا يعالج ذلك الاختلاف إلا من خلال التصرف في بعض الآيات بحملها معانٍ خلاف ما هو الظاهر منها، وتلك المعاني يختص فهمها بفئة خاصة من الناس، وهذا اللازم يستدعي عدم صحة الاحتجاج الذي أشير إليه في قوله تعالى:- (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)[10]، فإن الآية صريحة في أن القرآن معرض لعامة الأفهام، ومسرح للبحث والتأمل والتدبر، وليس فيه آية أريد بها معنى يخالف ظاهر الكلام، ولا أن فيه أحجية وتعمية[11].

ولا يذهب عليك أن الإشكال على هذه النظرية يؤول لباً للإشكال على النظرية السابقة من الالتـزام بعدم اختصاص فهم القرآن الكريم بفئة دون أخرى، وأن ذلك ينافي ما تضمنته الآيات الشريفة من كونه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وغير ذلك من الآيات، وقد عرفت الجواب عن ذلك فلا نعيد.

مع أن التـزامه(قده)، بعدم وجود آيات يلزم حملها على خلاف ظاهرها، غريب، فكيف يكون التصرف في الآيات التي تضمنت نسبة المعصية والخطيئة للأنبياء(ع)، وكيف يمكن التعامل مع الآيات التي يظهر منها ثبوت التجسيم للذات المقدسة، وغير ذلك من الآيات، فإنه مما لا ريب فيه لابد وأن يكون حمل هذه الآيات على خلاف ظاهرها، وما هذا إلا التأويل الذي تضمنته هذه النظرية، فتدبر.

وقد تحصل مما تقدم، أن الخدشة في المسلك المذكور من خلال وجود مانع يمنع من القبول به، في غير محله.

مناقشة عامة لهذا المسلك:

وقد أورد على هذا المسلكين بنظريتيه اللتين قدمنا، بأن القائلين به قد فرضوا حقيقة التأويل على أساس أنه من مقولة المعنى والمفهوم، وستعرف أنه لا ينحصر الأمر في خصوص ذلك، بل يوجد مسلك آخر يفيد أنه من قبيل الأمور العينية الخارجية، وأنه ليس مفهوماً من المفاهيم التي تدل عليه الآية[12].

وهذا الإيراد من الغرائب، ذلك أنه يمكن لأصحاب المسلك الأول، أن يوردوا على أصحاب المسلك الثاني أيضاً بنفس هذا الإيراد، وبالتالي سوف يكون المقام دعوى مقابل دعوى.

اللهم إلا أن يكون مراد المستشكل أن الدليل قد قام على حصر المقصود من التأويل في خصوص المعنى المستفاد من المسلك الثاني، وأنه لا يوجد دليل على المسلك الأول بتقريبيه من خلال النظريتين اللتين عرضتاه، فإنه سوف يكون للإشكال المذكور حينئذٍ وجه.

لكنك قد عرفت أن الموجب لرفع اليد عن المسلك الأول هو وجود المانع، كما أشار لذلك السيد العلامة الطباطبائي(ره)، وقد عرفت أن المانع بالنسبة للنظرية الأولى ليس تاماً، وسيأتي وجود الدليل على تمامية المسلك الأول، عند المناقشة للمسلك الثاني وعليه لا يكون التوجيه لكلام المستشكل متصوراً، فلاحظ.

المسلك الثاني: التأويل أمر عيني خارجي:

وبسبب رفض المسلك الأول، والمناقشة فيه، أتخذ السيد العلامة الطباطبائي(قده)، وجماعة مسلكاً آخر يكون المقصود في حقيقة التأويل، فالتزموا بأن التأويل أمر عيني خارجي، وليس من مقولة المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ. وقد رتب القائلون بهذا المسلك مجموعة من الآثار على مختارهم أهمها عدم انحصار التأويل في خصوص الآيات المحكمة، بل إنه يجري في جميع القرآن الكريم، فكما أنه يجري في المتشابه، فإنه يجري في المحكم أيضاً، فلاحظ.

وكيف ما كان، فقد وجد قولان في هذا المسلك:

الأول: ما أختاره ابن تيمية، وحاصله: أن التأويل ليس من قبيل المعاني المرادة باللفظ، بل هو الأمر العيني الذي يعتمد عليه الكلام، توضيح ذلك:

من المعلوم أن الكلام الصادر من المتكلم لا يخرج عن أمرين، لأنه إما أن يكون الكلام الصادر منه كلاما خبرياً بمعنى يصح أن يوصف بالصدق أو الكذب، أو يكون الكلام الصادر منه كلاماً إنشائياً، فلا يمكن وصفه بكونه صادقاً أو كاذباً.

فلو كان الكلام الصادر إنشائياً، كما لو كان أمراً بأن أمر المتكلم ولده أن يذاكر دروسه، أو كان الكلام الصادر نهياً، كما لو نهى المتكلم ولده أن يلعب بالكرة، أو كان دعاءً، أو غير ذلك، فإن معنى تأويل هذا الكلام بتحقق المخبر به خارجاً، فامتثال الولد أمر والده بالدراسة، واجتنابه اللعب بالكرة يعد تأويلاً للكلام الصادر من الأب، وكذا استجابة الدعاء بتحقيق المطلوب للداعي يكون تأويلاً للكلام الذي قد صدر منه، وهكذا.

أما لو كان الكلام الصادر كلاماً خبرياً، فإنه قسمان:

أحدهما: أن يكون الإخبار عن الحوادث السابقة كالآيات التي تضمنت أخبار الأنبياء(ع)، والأمم الماضية، فإن تأويله يكون نفس الواقعة في ظرف الماضي.

ثانيهما: أن يكون الإخبار عن الحوادث والأمور الحالية والمستقبلية، وهذا على نحوين:

الأول: أن يكون مما تناله الحواس البشرية، ويدركه العقل الإنساني، كالقضايا العادية المألوفة التي تكون في حياة البشر، فإن تأويل هذا النحو يكون بتحقق القضية في الخارج، مثل قوله تعالى:- (غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)[13]، فإن هذا إخبار عن أمر مستقبلي سيقع في المستقبل وهو تحقق الانتصار للروم، وهو من الأمور التي يدركها العقل البشري وتحيط بها الحواس الدنيوية الإنسانية.

الثاني: أن يكون من الأمور التي لا تنالها الحواس البشرية، ولا يدركها عقل الإنسان، كما لو كان الإخبار عن يوم القيامة، فإن الحواس الدنيوية الإنسانية لا يمكنها أن تحيط بشيء مما سيكون في ذلك اليوم، وكذا لو كان الإخبار عن حشر الأموات، فإنها لا تملك معرفة وليست لديها الإحاطة بالكيفية التي سيكون عليها ذلك، كذلك الحساب، وتطاير الكتب، وغير ذلك. وتأويل هذه الأمور يكون نفس حقائقها الخارجية.

ثم إنه لو قيل، ما هو الفرق بين النحوين الأول فإنهما وإن اختلفا من حيث إمكانية إدراك أحدهما بالحواس الدنيوية والعقل البشري، وعدم إمكانية ذلك، إلا أنهما قد اتفقا في أن تأويلهما يكون نفس حقائقهما الخارجية.

أجيب، بصحة ما ذكر من أن النتيجة في كلا النحوين واحدة، إلا أن الفرق بينهما في انحصار العلم بتأويل النحو الثاني، في خصوص الباري سبحانه وتعالى والراسخين في العلم، فتدبر.

وقد تحصل أن المقصود من التأويل في كلام ابن تيمية،، عبارة عن تحقق الأمر الذي ورد في الكلام، وحصوله في الخارج، فلاحظ.

مناقشة السيد الطباطبائي:

ولم يرتض السيد العلامة(رض) هذا القول، فأشكل عليه في مواضع متفرقة من موسوعته التفسيرية الميزان، ويمكن حصر ما أورده(ره) عليه في جوابين حاصلهما:

الأول: لقد وقع ابن تيمية في خطأ عندما اعتقد أن المقصود من التأويل هو معناه اللغوي أي الذي يرجع ويؤول إليه الشيء، وهذا يعني أن مطلق الرجوع للأصل يعد تأويلاً، والأمر ليس كذلك، بل إن المقصود منه رجوع خاص، وليس كل رجوع، ويشهد لما ذكرناه مجموعة من الأمثلة، فإنها وإن تضمنت رجوعاً إلا أنه لا يقال عنها بأنها تأويل، فإن المرؤوس يرجع إلى رئيسه، وليس بتأويل له، مع أنه رجوع للأصل، كما أن العدد يرجع إلى الواحد، وليس تأويلاً له، وهذا يكشف عن أن المطلوب تأويل خاص وليس مطلق التأويل، ويدل على ذلك قوله تعالى في قصة موسى والخضر:- (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا)[14]، وقوله سبحانه:- (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً)[15]، والذي نبأه موسى(ع) صور وعناوين لما فعله(ع) في موارد ثلاث كان موسى(ع) قد غفل عن تلك الصور والعناوين، وتلقى بدلها صوراً وعناوين أخرى أوجبت اعتراضه بها عليه، فالموارد الثلاث هي قوله تعالى:- (حتى إذا ركبا في السفينة خرقها)[16]، وقوله تعالى:- (حتى إذا لقيا غلاماً فقتله)[17]، وقوله تعالى:- (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه)[18].

والذي تلقاه موسى(ع) من صور هذه القضايا وعناوينها قوله(أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً)[19]، وقوله:- (أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً)[20]، وقوله:- (لو شئت لتخذت عليه أجراً)[21]. والذي نبأ به الخضر من التأويل قوله:- (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً* وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً* فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً* وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك)[22]، ثم أجاب عن جميع ما اعترض عليه موسى(ع) جملة بقوله:- (وما فعلته عن أمري)[23]، فالذي أريد من التأويل في هذه الآيات كما ترى هو رجوع الشيء إلى صورته وعنوانه نظير رجوع الضرب إلى التأديب ورجوع الفصد إلى العلاج، لا نظير رجوع قولنا: جاء زيد، إلى مجئ زيد في الخارج[24]. ثم استشهد أيضاً في تأويل الرؤى والأحلام التي وردت في سورة نبي لله يوسف(ع)، وأنه هو المعنى المقصود من التأويل عند التدبر في الآيات المرتبطة بيوم القيامة، فلاحظ[25].

الثاني: لقد حصر القول المذكور المتشابه الذي لا يعلم تأويله في خصوص آيات الصفات وآيات القيامة، ولا وجه لحصره فيها دون البقية، ذلك أن الفتنة والضلال كما يوجدان في تأويلهما، يوجدان أيضاً في تأويل غيرهما من آيات الأحكام والقصص. توضيح ذلك: لا ريب أن التأويل المذكور في قوله تعالى:- (وابتغاء تأويله)، لا يخرج عن أحد احتمالين:

الأول: أن يكون المقصود منه تأويل القرآن على أساس أن الضمير يرجع إلى الكتاب.

الثاني: أن المقصود منه تأويل المتشابه فقط.

ولا مجال للبناء على الاحتمال الأول، وذلك لأن لازمه حصر الإحاطة بالتأويل في خصوص الباري سبحانه وتعالى والراسخين في العلم، مع أن المعروف أن تأويل العديد من الأمور الواردة في القرآن الكريم، كالقصص والأحكام وآيات الأخلاق يمكن أن يعلمه غير الله تعالى، وغير الراسخين في العلم، بل حتى من زاغة قلوبهم، يمكنهم علم ذلك، فإن الحوادث التي تدل عليها آيات القصص يتساوى في إدراكها جميع الناس من غير أن يحرم عنه بعضهم، وكذا الحقائق الخلقية والمصالح التي يوجدها العمل بالأحكام من العبادات والمعاملات وسائر المشرعة.

نعم لو بني على الاحتمال الثاني كان مقتضاه البناء على الحصر المذكور، أعني التأويل في خصوص الله تعالى، وفي الراسخين في العلم، وأنه لا ينبغي لغيرهم ابتغاء تأويل المتشابه، لأنه يؤدي إلى الفتنة وإضلال الناس.

وهذا لا يلزم منه حصر المتشابه الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات والقيامة، فإن الفتنة والضلال كما يوجد في تأويلها يوجد في تأويل غيرها من آيات الأحكام،، والقصص وغيرهما، ويشهد لذلك أمور:

منها: الالتزام بأن المراد من تشريع الأحكام إحياء الاجتماع الإنساني بإصلاح شأنه بما ينطبق على الصلاح، فلو فرض أن صلاح المجتمع في غير الحكم المشرع، أو أنه لا ينطبق على صلاح الوقت وجب اتباعه وإلغاء الحكم الديني المشرع.

ومنها: البناء على أن المراد من كرامات الأنبياء المنقولة في القرآن الكريم أمور عادية، وإنما نقل بألفاظ ظاهرها خلاف العادة لصلاح استمالة قلوب العامة وانجذاب نفوسهم وخضوع قلوبهم لما يتخيلونه خارقاً للعادة قاهراً لقوانين الطبيعة.

ومنها:القول بأن الأحكام الدينية إنما شرعت لتكون طريقاً إلى الوصول فلو كان هناك طريق أقرب منها كان سلوكه متعيناً لمن ركبه، فإنما المطلوب هو الوصول بأي طريق اتفق وتيسر. وفرقة قالت أن التكليف إنما هو لبلوغ الكمال، ولا معنى لبقائه بعد الكمال بتحقق الوصول فلا تكليف لكامل.

ومنها: إن التلبس بالأعمال الدينية لتطهير القلوب وهدايتها إلى الفكرة والإرادة الصالحتين، والقلوب المتدربة بالتربية الاجتماعية، والنفوس الموقوفة على خدمة الخلق في غنى عن التطهر بأمثال الوضوء والغسل والصلاة والصوم[26].

ولا ينحصر الأمر في ما ذكرنا، بل هناك في المذاهب المنشعبة المحدثة في الإسلام شيء كثير من هذه الأقاويل، وجميعها من التأويل في القرآن ابتغاء للفتنة، وهذا يساعد على عدم انحصار المتشابه في خصوص آيات الصفات وآيات القيامة[27]. بل إن المتأمل لا يشك في أن هذه الفتن والمحن التي غادرت الإسلام والمسلمين لم تستقر قرارها إلا من طريق إتباع المتشابه، وابتغاء تأويل القرآن[28].

مختار السيد العلامة:

الثاني: وبعد مناقشته(ره) للقول السابق في حقيقة التأويل، ألتـزم بأن المقصود منه أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية، من حكم أو موعظة، أو حكمة، وأنه لا يختص بالآيات المتشابهة، بل هو يشمل الآيات المحكمة أيضاً، وهو ليس من المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ، بل هو من قبيل الأمور العينية المتعالية عن أن تحيط بها شبكات الألفاظ، وإنما قيدها سبحانه بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب، فهي كالأمثال تُضرب ليقرب بها المقاصد وتوضح بحسب ما يُناسب فهم السامع. وقد كانت استعمالات القرآن الكريم للفظ التأويل في المراد التي استعملها فيه في خصوص هذا المعنى الذي ذكرناه[29].

ولا يخفى عليك أنه يتفق والقول الأول في جوانب عديدة:

منها: أن التأويل ليس من قبيل المفاهيم التي يدل عليها بواسطة الألفاظ.

ومنها: أن حقيقة التأويل، كونه من الأمور الحقيقية الواقعية والعينية الخارجية التي تستند إليها البيانات القرآنية. نعم قد استعمل الباري سبحانه وتعالى الألفاظ من أجل تقريبها من الأذهان، نظير ما يذكر من الأمثال خلال المحاورات بين المتكلمين تقريباً للفكرة عند المتلقين.

دليل السيد الطباطبائي:

هذا وقد استند السيد العلامة(قده) في مختاره إلى دليل جعله بمثابة الأصل الكبروي الذي رتب عليه مجموعة من الآثار في العديد من المواضع في تفسيره، وهو الاستناد إلى قوله تعالى:- (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم)[30]، فإن المستفاد منها أن كل الأشياء في عالمنا المشهود لها نحو وجود عيني خاص بها في الخزائن الإلهية، لنص الآية الشريفة على ذلك، فإن المقصود من مفهوم الخزائن الذي تضمنته الآية أن هناك وجوداً آخر للأشياء في تلك الخزائن غير وجودها في عالمنا المشهود، نعم قد يكون الموجود في الخزائن وجودين آخرين، ليكون للشيء وجودات ثلاثة، وقد يكون وجوداً واحداً ليكون للشيء وجودان، ومرجع ذلك إلى الجمع الذي وردت به لفظة الخزائن، هل نظر فيه للجمع المنطقي، أم نظر فيه للجمع غير المنطقي، والأول يبدأ من الاثنين، بينما يبدأ الثاني من الثلاثة، فما فوق، والأمر سهل في المقام.

ويساعد على وجودٍ آخر للأشياء غير وجودها في عالمنا المشهود، الإضافة في الآية الشريفة للذات المقدسة، قال تعالى:- (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه)، ولا ريب أن هذه الإضافة له تعالى تشير إلى وجود مختلف عن عالمنا، وحكم لذلك الوجود يختلف عن الحكم المرتبط بعالمنا، فلاحظ.

ويساعد على ما ذكرنا من تعدد الوجود، تعبيره تعالى بالنـزول(وما ننزله إلا بقدر معلوم)، فإن هذا التنـزل يفيد انتقال الشيء من الأعلى إلى الأسفل، ولهذا ذكر(ره) أن النـزول يستدعي علواً وسفلاً ورفعة وخفة وسماء وأرضاً. ثم إن هذا الإنزال يكون بقدر معلوم، وهو ما يوجب تميز كل شيء في نزوله من ذلك العالم إلى عالمنا عن الأشياء الأخرى.

ثم إن هذا الإنزال، يكون بنحو التجلي، وليس بنحو التجافي، ما يعني بقاء وجود الشيء في الخزائن، حتى بعد نزوله إلى عالم الملك، توضيح ذلك:

إن إنزال الشيء من عالم الملكوت إلى عالم الملك لا يستوجب أن يفقد الشيء وجوده في عالم الملكوت، لأن هناك نحوين من الإنزال يرتبطان بالإنزال المكاني:

أحدهما: الإنزال على نحو التجافي، وهو الذي يمنع تصور وجودين للشيء في مكانين مختلفين، بل هو إما أن يكون وجوده في الأعلى، أو يكون وجوده في الأسفل، ويشهد لذلك قوله تعالى:- (تتجافى جنوبهم عن المضاجع)[31]، فإن معنى تجافيها يعني تباعدها، وعدم وجودها، وعليه، فلو أنزل شيء من عالم الملكوت بنحو التجافي، كان مقتضاه حصر وجوده في خصوص عالم الملك دون عالم الملكوت.

ثانيهما: الإنزال بنحو التجلي، وهو الذي لا يفقد الشيء وجوده في عالم الملكوت بنـزوله إلى عالم الملك، ويشير إليه قوله تعالى:- (فلما تجلى ربه للجبل)[32]، وهذا نظير ما لو كانت لدى الإنسان فكرة علمية في عقله، حررها على ورقة، فإن نزولها إلى الوجود الكتبي بكتابتها على الورقة،، من الوجود الذهني، لا يعني انتفاء وجودها في عقله، فلاحظ.

وبالجملة، إن المستفاد من الآية المباركة أن لكل شيء من الموجودات وجهين مختلفين، وجهاً في عالم الملكوت وهو الخزائن، ووجهاً في الملك وهو عالمنا المشهود، نعم هما ليسا شيئين مختلفين، بل هما وجهان لشيء واحد، فالذي في عالم الملكوت، هو الوجه الذي يكون محيطاً بالوجه الذي يكون في عالم الملك، وهو الوجه المقدر الذي يكون نازلاً إلى عالمنا المشهود، وهو عالم الدنيا، فتدبر.

ومن الأمثلة التطبيقية لما ذكر، القرآن الكريم، فإن المستفاد من الآيات الشريفة أن له وجوداً آخر في عالم الملكوت غير وجوده الموجود في عالمنا المشهود، وأن وجوده هناك لا تناله العقول البشرية، لأن العقل البشري لا ينال إلا ما كان من قبيل المفاهيم والألفاظ، وكان مؤلفاً من مقدمات تصديقية يترتب بعضها على بعض.

ومن هنا بنى السيد العلامة(ره) مختاره في حقيقة التأويل، فقد قرر أن نسبة التأويل إلى المعارف والمقاصد المبينة نسبة الممثل إلى المثال، وأن جميع المعارف القرآنية أمثال مضروبة للتأويل عند الله تعالى، فيكون التأويل أمراً خارجياً نسبته إلى مدلول الآية نسبة الممثل إلى المثل، لأنه محكي لها محفوظ فيها نوعاً من الحكاية والحفظ[33].

وقفة مع المسلك الثاني:

ولما كان السيد العلامة(ره) قد عمد إلى مناقشة القول الأول من المسلك الثاني كما عرفت، ينصب الأمر على خصوص القول الثاني منه، وهو ما أختاره(رض)، والظاهر أنه لا مجال للقبول بما ذكره(قده)، وذلك لأن مختاره(ره) يستوجب حمل لفظ التأويل على خلاف ما هو المقصود منه، وقد تقرر في محله أن استعمال اللفظ في مورد له حالان:

الأول: أن يكون دالاً على كونه من مصاديق المعنى اللغوي له.

الثاني: أن يكون من الموارد التي استعمل اللفظ فيها في غير ما وضع له بضرب من التجوز، مع وجود قرينة صارفة للفظ عن معناه اللغوي، للمعنى المجازي المستعمل فيه.

وعليه لن يكون استظهار معنى من المعاني في مورد من الموارد التي تضمنت استعمال لفظ التأويل موجباً لأن يكون المقصود منه في بقية الموارد الأخرى، هو ذلك المعنى الذي قد استعمل فيه اللفظ في ذلك المورد، وذلك لأن هذا الاستعمال ليس هو المعنى المقصود منه لغة، وعليه يكون من الحال الثاني، وفقاً لوجود قرينة ساعدت على هذا الاستعمال. ويشهد لما ذكرنا، ملاحظة قوله تعالى:- (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه من ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)[34]، فقد تضمنت الآية تقسيمين، تقسيماً لآيات الكتاب، إلى محكم ومتشابه، وتقسيماً للآخذين به من حيث الاعتقاد والعمل، إلى مرضى قلوب أصحاب زيغ وأهواء وانحراف، وراسخين في العلم. فمرضى القلوب، هم الذين يحيدون عن صراط الحق، ويبغون العوج، وقد وصفتهم الآية الشريفة أن لهم بغيتين، إحداهما، تأويل الكتاب محكمه ومتشابهه، فيؤولونه حسب ميولهم وآرائهم المنحرفة، لكي تنطبق على ما أخذوه من المتشابهات، وهذا المعنى ينفي ما أفاده(قده) في بيان حقيقة التأويل، فتدبر.

ويساعد على ما ذكرناه، ما تقدم من بيان لحقيقة التأويل بحسب كلمات أهل اللغة، فلاحظ.

هذا ولا ينبغي أن يورد على ما ذكرناه من تداخل التأويل مع التفسير، ذلك أن للتفسير حقيقة أخرى تغاير حقيقة التأويل، كما هو واضح. فإن التفسير أقرب لمقصود المتكلم من حيث الإفهام والتفهيم، ويأتي التأويل في مرتبة متأخرة عن التفسير، وهو الذي يكون مآل الكلام ومرجعه إليه.

مضافاً إلى ما عرفت، أن ما ألجأ السيد الطباطبائي(قده) إلى مختاره، وجود المانع من المسلك الأول بقوليه، وقد عرفت عدمه، فلاحظ.

والحاصل، إنه لا يوجد ما يمنع من الالتزام بأن التأويل عبارة عن مدلول كلامي، ومفهوم من الألفاظ يقصد به المتكلم إفهام من خاطبه، فتدبر.

من يعلم بالتأويل:

بقي الحديث عن الذين يعلمون تأويل الكتاب، سواء قبلنا بالمسلك الأول بقوليه، أم التزمنا بالمسلك الثاني، وبالتحديد بقول سيدنا العلامة الطباطبائي(رض).

وقد وقع تحديد ذلك مورد خلاف بين المفسرين، فمع تسليمهم ثبوته للذات المقدسة سبحانه وتعالى، وقع البحث بينهم في انحصاره فيها، أم هو ثابت لغيره؟

ولا يذهب عليك أن جزءاً من الخلاف الذي وقع بينهم يعود لتحديد الواو التي وردت في الآية الشريفة(وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)، فهل هي عاطفة، ليكون الراسخون في العلم معطوف على الذات المقدسة، وبالتالي يكونوا محيطين بالتأويل، أو أنها استئنافية، فتفيد موضوعاً جديداً ينفي أن يكون الراسخون بالعلم محيطين به؟

المعروف بين مفسري الطائفة، القول بكون الواو عاطفة، وعليه بنوا على عدم انحصار العلم بالتأويل في خصوص الباري سبحانه وتعالى، بل هو ثابت للراسخين في العلم، وهو مختار بعض الشافعية أيضاً. وقد جعل أصحابنا مصداق الراسخين في العلم، المعصومين(ع).

واستند القائلون بالعطف إلى أمرين:

أحدهما: ما حكاه التأريخ من وقائع كان للمعصومين(ع) فيها دور في بيان التأويل، وعرضه.

ثانيهما: النصوص التي تضمنت أنهم(ع) محيطون بالتأويل.

هذا ويمكن البناء على أنه وإن كانت الواو استئنافية، إلا أنها لا تمنع أن يكون الراسخون في العلم محيطين بالتأويل، لأن مقتضى الاستئناف أن يكون مفاد الآية الشريفة أنه تعالى يعلم تأويل الكتاب، وغيره يحتاج علمه بذلك إلى دليل منفصل، ولا ريب أن ذلك لا يتصور إلا في الراسخين في العلم، لأنه يملكون موجبات الإحاطة بذلك جراء توصيفهم بكونه راسخين في العلم، فلاحظ.

ثم هل ينحصر العلم بالتأويل بالمعصومين(ع) بعد الله سبحانه وتعالى، أم أنه يمكن للفقهاء الإحاطة بذلك؟

إن الجواب عن ذلك يعتمد على تحديد مفهوم التأويل، وأنه من المفاهيم المشككة، أم أنه مفهوم متواطئ، فلو بني على الثاني، فلا ريب أنه يشكل القول بالإحاطة بالتأويل في غير من دل الدليل عليه. أما لو بني على كونه مفهوماً مشككاً كما هو الظاهر، فلا مانع من أن يكون للعلماء إحاطة بالتأويل، ولو في الجملة، فلاحظ.

[1]سورة آل عمران الآية رقم 7.

[2]سورة الأعراف الآيتان رقم 52-53.

[3]سورة الكهف الآية رقم 82.

[4]سورة الإسراء الآية رقم 35.

[5]سورة يوسف الآية رقم 21.

[6]سورة يوسف الآية رقم 100.

[7]سورة آل عمران الآية رقم

[8]سورة ص الآية رقم 29.

[9]تفسير الميزان ج 3 ص 47.

[10]سورة النساء الآية رقم 82.

[11]الميزان في تفسير القرآن ج 3 ص 47.

[12]أصول التفسير والتأويل ص 303.

[13]سورة الروم الآيات رقم

[14]سورة الكهف الآية رقم 78.

[15]سورة الكهف الآية رقم 82.

[16]سورة الكهف الآية رقم 71.

[17]سورة الكهف الآية رقم 74.

[18]سورة الكهف الآية رقم 77.

[19]سورة الكهف الآية رقم 71.

[20]سورة الكهف الآية رقم 74.

[21]سورة الكهف الآية رقم 77.

[22]سورة الكهف الآيات رقم 79-82.

[23]سورة الكهف الآية رقم 82.

[24]الميزان في تفسير القرآن ج 3 ص 25.

[25]المصدر السابق ص 26-27.

[26]الميزان في تفسير القرآن ج 3 ص 41.

[27]الميزان في تفسير القرآن ج 3 ص 48-49.

[28]الميزان في تفسير القرآن ج 3 ص 42.

[29]المصدر السابق ص 49.

[30]سورة الحجر الآية رقم 21.

[31]سورة السجدة الآية رقم 16.

[32]سورة الأعراف الآية رقم 143.

[33]الميزان في تفسير القرآن ج 3 ص 52، أصول التفسير والتأويل ص 318-330(بتصرف).

[34]سورة آل عمران الآية رقم 7.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة