للدين في حياة الإنسان طرفان:
١-طرف يتصل بعقيدته ويقينه.
٢-طرف يتصل بسلوكه وحياته الاجتماعية.
ويبقى سؤال يتردد دائماً وهو كيف وجد الدين، وما هي أسباب حصوله؟
وقد وجدت نظريات عديدة في بيان نشأة الدين، نشير لبعض منها.
النظرية الماركسية وجوابها:
وهي التي تفيد إن الدين إنما وجد من أجل أن تحتفظ الطبقة المستثمرة بامتيازاتها ومكانتها وسلطتها بين الشعوب. وبيان كيفية نشأت الحاجة للدين وفقاً لهذه النظرية، أن يقال:
إنه لما كان الأمر المتداول بين الناس في المجتمعات يقوم على الأطروحة الشيوعية الأولى، والتي تفيد اشتراك الجميع، وعدم حصول التمايز بين الأفراد، لم تكن هناك حاجة لوجود الدين، فلما وجدت الرؤية الرأسمالية ووجدت الطبقة الغنية ووجدت الطبقة الكادحة والفقيرة، فأحتاج الأغنياء إلى حماية ورعاية، من الطبقة الكادحة والفقيرة المحرومة حتى لا تثور عليها وفي وجهها، فكانت الحاجة لوجود الدين. لأنه سوف يرسخ في أذهان الطبقة الكادحة والفقيرة المحرومة أن هذا الاختلاف الطبقي والتفاوت المعيشي بين أفراد المجتمع الواحد، أمر طبيعي يرتبط بالله سبحانه وتعالى وليس للفرد فيه علاقة من قريب أو بعيد.
وهو ما يعبر عنه بالتسليم بقضاء الله تعالى وقدره ورضا العبد بما قدره ربه إليه، فلا جدوى في رفض ذلك والقيام بالاعتراض عليه، أو مخالفته، أو العمد لتغييره واستبداله، فإنه ليس للإنسان فيه يد ولا يمكنه ذلك أبداً. بل المطلوب من الطبقة الكادحة المحرومة والفقيرة هي الصبر والرضا بهذا القضاء والقدر، كما عليهم القناعة بما أراده الله تعالى لهم. لأنه سبحانه وتعالى قد قدر وقضى للطبقة الغنية أن تكون كذلك، وقدر في نفس الوقت للطبقة الفقيرة الكادحة أن تكون فقيرة محرومة ومحتاجة.
ولهذا تقرر هذه النظرية أن الدين مجرد أداة ابتدعتها الطبقة البرجوازية والمستفيدة في المجتمع لحماية نفسها وضمان سلامتها.
ودور الدين في حياة المحرومين دور المسكن والمخدر لهم أمام واقعهم البائس، ولهذا قال ماركس كلمته المشهورة: الدين أفيون الشعوب.
وبالجملة، إن النظرية المذكورة، تؤكد أن الدين تبرير للواقع الاجتماعي وانعكاس لشقاء الإنسان ليس إلا.
ويظهر الجواب عن هذه النظرية بمعرفة موقف الدين من الانحراف الاجتماعي وكيفية تعامله معه، وتعاطيه إياه، والمعروف إن له موقفين:
الأول: موقف تحليلي.
الثاني: موقف تغييري.
أما الأول منهما، وهو الموقف التحليلي، فيتمثل في تحليل الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى استغلال الإنسان وانحرافه وتفسيرها، وهذا غير التبرير، لأن التبرير هو إيجاد المبررات الشرعية للوضع القائم. وأما التفسير فهو متابعة الجذور والعوامل الاجتماعية التي تؤدي إلى ظهور الانحراف.
وقد أوهم هؤلاء الآخرين أن الدين أداة لتبرير الواقع الاجتماعي من خلال تفسير الواقع في الدين بالقضاء والقدر، فجعلوه التفسير الوحيد لكل ضروب الفساد والتحلل الاجتماعي.
ونحن لا ننكر دور القضاء والقدر الإلهي في القضايا الخارجية، إلا أن ذلك لا يلغي دور الإنسان فيها أيضاً لأن للإنسان حرية الاختيار والتصرف، فيستطيع هو باختياره وضع نفسه في الموضع الذي يشاء من الأسباب والعلل الكونية التي تنفذ فيها المشيئة الإلهية.
ولا يوجد منافاة بين اختيار الإنسان وحتمية النتائج التي يؤدي إليها اختياره، لأن حتمية النتائج لا توجب سلبه اختياره في تحديد ما يشاء من طريق، وتعييين ما يريد من مصير.
وعليه، فإن الإيمان بالقضاء والقدر لا يبرر وجود فوارق وامتيازات طبقية في مجتمع ما، كما أنه لا يبرر وجود تخلف حياتي في أي مجال من مجالات الحياة، كالاقتصاد والتعليم والطبابة وغير ذلك. نعم وظيفة نظرية الإيمان بالقضاء والقدر هو إعطاء تفسير كامل للأحداث الكونية والاجتماعية في تسلسها الطبيعي وربطها بالقضاء والقدر ليكون تفسيراً للأحداث الاجتماعية من خلال ربطها بالقضاء والقدر، وليس تبريراً لها.
والسبب في عدم تبرير القضاء والقدر لوجود الفوارق الاجتماعية يعود لما ذكرناه قبل قليل من كون الإنسان يملك حرية القرار والاختيار، فهو مسؤول عما يختار ويقرر في تحديد مصيره، فلا يعني الإيمان بالقضاء والقدر سلب هذه الحرية منه، ولا رفع مسؤوليته في تحديد مصيره، ومنه يتضح أن إحالة النظرة الماركسية المدعى على مسألة القضاء والقدر، في غير محله.
وأما الموقف التغييري، وهو ثاني الموقفين للدين، فإنه يقرر أن دور الدين لا ينحصر في مجرد تمني الفرد لحياة رغيدة، وشجبه للفساد الاجتماعي، والاقتصار على هذه الأمنيات الطيبة، بل إن الدين يدعو للتخطيط والتغيير للواقع الاجتماعي الفاسد، وبناء مجتمع متكامل في ضوء الشريعة الإلهية ورسالة السماء.
وقد طبق الإسلام ذلك على أرض الواقع، فقد قام النبي الأكرم محمد(ص) بالعمل على تغيير الواقع الجاهلي في كافة نواحيه، ابتداء من الانحراف الديني الذي كان عليه هؤلاء بابتعادهم عن الشريعة الدينية، وكذا في استغلاله الفوارق الطبقية في المجال الاقتصادي والاستغلال للإنسان بصورة سلبية. وذلك من خلال دعوتهم لترك الانحراف الديني، والسعي لاستعادة كرامة الإنسان وإنسانيته وقيمته وحقه في تقرير مصيره. فألغى الإسلام جميع الفوارق والامتيازات الطبقية المعروفة في الجاهلية، وجعل المعيار في التمايز على قانون التقوى، قال تعالى:- (يا إيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، كما دعاهم للتعاون على البر، ومد يد العون للضعفاء والمحتاجين،وتقديم الخدمات الاجتماعية، فقال تعالى:- (وتعاونوا على البر والتقوى)، وغير ذلك من الأمور التي يحدها من يرجع لسيرة النبي(ص) ونهضته التغييرية التي قام بها في المجتمع العربي.
نظرية الجهل وجوابها:
يعتقد بعضهم أن العامل الأساس لوجود الدين يعود لجهل البشر، فالإنسان بطبعه يميل إلى معرفة العلل والقوانين الحاكمة في الكون، وفي حوادثه.
ونتيجة لجهله بها وعدم قدرته على معرفتها، لهذا يعمد إلى نسبتها إلى ما وراء الطبيعة، ويقرر بأن وراءها الآلهة فيحيل الموضوع لجملة من العوامل الغيبية. فهو لا يعرف سبب انتشار الأمراض والأوبئة، كما أنه يجهل سر الزلازل والبراكين والهزات الأرضية، ولم يقف على سبب حصول الفيضانات والانفجارات وهكذا، ولهذا أرجع جميع هذه الأمور للعوامل الغيبية وربطها بالآلهة بعدما وجد نفسه عاجزاً عن إيجاد تفسير إليها.
وقد فرق بين الأحداث الحاصلة خارجاً فربط بعضها بأسباب وجعل منشأ البقية أسباباً أخرى، فجعل منشأ حصول الكوارث من زلازل وفيضانات وانتشار للأوبئة أو القحط، وما شابه ذلك هو سخط الآلهة فمتى كانت ساخطة على الإنسان أصابته بهذه الأمور، لكن لو كانت الآلهة راضية عنه، فسوف ينعم عندها بالخير والبركة، وهكذا.
ولو تأملنا شيئاً ما فسوف نجد أن النظرية المذكورة تقوم على أساس وهو وجود تضاد بين الإيمان بخضوع الأحداث الطبيعية لإرادة الله تعالى، وبين حصولها عن أسباب وعلل طبيعية معروفة، أو مجهولة. وهم بهذا يقررون أن العلم بالأسباب الطبيعية للأحداث الكونية، يطرد الإيمان بخضوع هذه الأحداث لإرادة الله تعالى، لأن العلم والإيمان لا يجتمعان، فيكون العلم طارداً للإيمان، وبالعكس.
فلو ثبت أنه لا يوجد تناقض بين الإيمان والعلم، لأن إسناد جميع هذه الأحداث إلى الإرادة الإلهية، لا يسلب مدخلية الأسباب الطبيعية التي توجب حصولها، كما لا ينفي الاحتماء منها، وتكييفها بطرق علمية، ما يعني عدم وجود منافاة ولا مطاردة بين الإيمان والعلم. بل الأمر على العكس تماماً، فإن العلم يضاعف الإيمان وينميه، وكلما يزداد الإنسان علماً يزداد إيماناً بسلطان الله وحكمته وكماله، ويزداد خوفاً وخشية منه سبحانه[1]. فلن تكون النظرية المذكورة صحيحة.
نظرية الخوف وجوابها:
يعتقد جمع من الناس، أن الدين وليد الخوف عند الإنسان، فبسبب خوفه من الطبيعة، ومن صوت الرعد الرهيب مثلاً، ومن سعة البحر، ومن هدير أمواجه، وغيرها من مظاهر الطبيعة، خطر في ذهنه الدين، وجعلوا للخوف إلهاً.
وقد نشأ ذلك من كونه يعتقدون أن لتكل الأشياء أرواحاً تسكنها، وأنها سوف تغضب عليهم، ومن ثمّ تتسلط عليهم، فكان الهمّ الأساس عندهم في كيفية إرضائها.
وقد حدد راسل عوامل الخوف في حياته في ثلاثة أمور:
الأول: الطبيعة، فيخاف أن تحرقه بصاعقة من السماء، أو تبتلعه بزلزال في الأرض تحت قدميه.
الثاني: يخاف من الإنسان ال\ي قد يسبب له الدمار والخراب والهلاك، مما يثير الحروب.
الثالث: يخاف من شهواته التي قد ينحرف معها، وتتحكم في سلوكه وتفوت عليه ما يندم عليه في ساعات استقراره وهدوءه.
وضعف هذه النظرية واضح جداً، لأننا لو سلمنا أن منشأ وجود الدين يعود لحالة الخوف التي يصاب بها الإنسان، إلا أننا سنجد أنفسنا عاجزين عن تفسير ما يتضمنه الدين من أمر أخرى غير ما يحفظ الإنسان ويؤمنه من المخاوف الطبيعية، كالأمور العقدية، والأحكام التشريعية. مضافاً إلى حالة الارتباط العميق الذي يبلغه الإنسان في علاقته بخالقه من خلال تدينه، وتكامل هذه العلاقة ورقيها، وهو لا ينسجم من كون منشأ وجود الدين هو الخوف[2].
الرغبة في العدالة والنظام وجوابها:
وأتخذ جمع آخر من المفكرين والباحثين طريقاً مغايراً لما سبق ذكره، فقالوا بأن منشأ وجود الدين يعود إلى الرغبة في حصول العدالة والنظام، فحين لاحظ الإنسان الظلم والاضطهاد في أوساط المجتمع، ووجد عدم العدالة فيه وفي الطبيعة، أجد الدين، وتشبث به، وغايته من ذلك تسكين آلامه النفسية وتهدئتها[3].
وهذه النظرية وإن كانت حسنة في نفسها، إلا أنها لا تختلف عن سوابقها من حيث جعل منشأ وجود الدين غاية مبررة، وإن كانت تختلف وإياهم في المنشأ.
ويمنع من القبول بها حصرها الدين في طلب إقامة العدالة، وبث النظام، برفع الظلم والإظهاد، وهذا لا ينسجم ما تضمنه الدين من تعاليم شرعية، وأمور عقدية، وقيم أخلاقية عظمى غير مسألة العدالة والنظام، كما لا يخفى.
وبالجملة، إن النظرية المذكورة تضيق دائرة الدين، وتحجمه في مفردة أو مفردتين من مفرداته، وهو أكبر من ذلك، وأوسع.
فطرية الدين:
وهي نظرية الفلاسفة المسلمين، وهي التي تقرر أن ظاهرة الدين والتدين، تنبع من فطرة الإنسان وكينونته، ففي كل إنسان نزوع قوي لله تعالى المبدأ الأول لهذا الكون، ويكون هذا النـزوع من خلال العبادة والتدين، والدعاء والصلاة.
وحقيقة هذا الميل هو النـزوع إلى الكمال، قال تعالى:- (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها)[4].
رحلة خليل الرحمن(ع):
وفي قصة خليل الرحمن(ع) بيان لحركة الفطرة ودورها في الدين، وأنها المنشأ الأصل الذي تنبع منه، فقد قدم(ع) درساً في الطريق الذي يسلك للوصول إلى الله سبحانه، قال تعالى:- (فلما جن الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين* فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين* فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون)[5]. فقد أبرز(ع) لقومه في البداية أنه قد أختار الإله الذي سوف يعبده وهو القمر، وهو بهذا يشير إلى رفضه لعبادة الأصنام التي كانوا عليها، إلا أنه سرعان ما تراجع عن ذلك لأنه وجده ناقصاً عندما أصابه الأفول، والمفروض أن الإله لا يصيبه ذلك، وعندها انتقل لشيء آخر على أساس أن الأفول لن يعتريه وهو القمر، خصوصاً وأنه وجده يملأ النفس بسحره وجماله، ويبدد الظلام بنوره، إلا أنه لم يلبث أن اعتراه ما أعترى الكوكب، فأصابه الأفول من جديد، وقد عرفت أن الإله لا يصيبه ذلك.
ويعود مرة أخرى ليبرز أمام قومه أنه قد وجد ضالته وبلغ مناه بوصوله لمنشوده وهو الإله الذي لا نقص فيه، وهو الشمس، إلا أنها لم تختلف عما سبقها من عناوين، وإن كانت أعظم منهما حجماً وأقوى منهما نوراً، إلا أنها لا تختلف عنهما في فقدانها للكمال، وإصابتها بالنقص من خلال إفولها.
وبعدما أثبت(ع) لقومه أنه يعتبر في الإله أن لا يكون ناقصاً، وأن وجود صفة النقص تعد عجزاً مانعاً من اتصافه بالإلهية، وهذا يشير إلى فساد عبادتهم للأصنام، أبرز ذلك من خلال تبرأه(ع) مما يعبدون، وأنه لن يعبد إلا الإله الذي لا يصيبه النقص، ولا يعتريه العجز، وهو الباري سبحانه وتعالى، قال تعالى:- (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً ما أنا من المشركين)[6].
وأساس هذا النـزوع الفطري هو نزوع الضعيف إلى الكامل، ويظهر بوضوح عندما يشعر الإنسان بضعفه أكثر من أي وقت آخر، وذلك عندما يواجه خطراً فتنقطع به السبل والوسائل المادية، فيقوى عنده حينها هذا الشعور الفطري ويجبر نقصها باللجوء إلى ربه[7].
ولا ينحصر القول بفطرية الدين في خصوص الفلاسفة المسلمين، بل هو رأي غير واحد من الفلاسفة الغربيـين أيضاً كأنشتاين، وغيره. وهم يشتركون ورؤية الفلاسفة المسلمين في فطرية الدين، وأنه نشأ من عنصر الفطرة، فالإنسان لا يهدأ حتى يصل إلى منبع الوجود وقلبه، ليحصل له الاطمئنان[8].
عوامل الانحراف عن الدين:
ثم إنه بعد الفراغ عن كون الدين أمراً فطرياً، يأتي السؤال التالي: إذا كان الدين فطرياً، فلماذا ينحرف الناس عنه، ويخرجون منه؟ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى حصول ذلك؟
من الطبيعي أن السؤال المذكور ينطلق من خلال ملاحظة الواقع الخارجي، إذ يتلمس كل من ينظر فيه مصداقية الأمر المذكور ولو في الجملة، وهذا يعو إلى محاولة الوقوف على الأسباب التي أدت إلى حصول مثل هذا الأمر، خصوصاً وأن الإنسان بفطرته هو الذي بحث عن الدين ويسعى للوصل إليه، لأن في ذلك اطمئنانه وسكون نفسه، ولهذا فقد ذكرت عدة عوامل وأسباب تؤدي إلى الابتعاد عن الدين، والانحراف عن جادته، باتخاذ طرق أخرى مغايرة له، ومختلفة عنه، سوف نشير لبعض منها:
أحدها: المناهج والأساليب المتبعة في عرض الدين:
لا ريب أن لطرق العرض والبيان دخالة كبيرة جداً في جذب الأفراد للأمر المعروض، كما أن لها أثراً مهماً في إعطائهم القناعة به والقبول، وهذا يعني أنه لو كانت طريقة العرض بأسلوب لا يوجب الإقناع، فضلاً عن الإعجاب والانجذاب، فإن ذلك سيؤدي إلى الابتعاد عن الدين، بل رفضه، وهذا ما نجده في طريقة عرض الدين غالباً، فقد تتبع بعض الجماعات والدول الإلحادية طريقة مشبوهة ومشوهة لعرض الدين، توجب انحراف الناس، بل ابتعادهم عنه، لأن الدين يشكل خطراً على مصالحها، ويقف حجر عثرة في تحقيق غاياتها، ولذا يستخدم الأسلوب المذكور في التشويه خلال عملية العرض. ومن أمثلة ذلك الماركسية، فقد سمعت أنهم عرضوا الدين بصورة مشوهة لا تجعل أي شخص يقبل به، فإنهم عندما يقررون أن الدين وسيلة تخدير للفقراء والمحرومين، فكأنهم يقررون أنه وسيلة معينة عليهم، إذ مضافاً إلى استنـزاف طاقتهم من قبل الأغنياء، فإن الدين يعين عليهم، لا أنه ينصفهم، وهكذا.
ولعلنا نجد اليوم صوراً حقيقية لتشويه الدين من خلال عرضه بصورة سلبية، فبعض الجماعات الإسمية التي تمتهن المرأة وتعمد إلى تحقيرها، وتسيء معاملتها، أو بعض الجماعات التي تستحقر الإنسان لا لشيء إلا لمجرد انتمائه لمذهب معين، بل حتى في أوساطنا الشيعية نجد هكذا جماعات وهم الذين يسبون ويشتمون رموز الطرف الآخر، ويسيئون إليها من دون حد فاصل، وهكذا.
وبالجملة، لا ريب أن هذه الأساليب المتبعة في طريقة عرضا لدين تعد حجر عثرة أمام الآخرين في القبول به والانتماء إليه، إذ أنها تراه بصورة مشوهة، تحول بين النفس وقبوله.
بينما لو تأملنا كيف كان يعض النبي محمد(ص)، والأئمة(ع) من بعده الدين، وكيف أنه دين تسامح، ودين محبة، وسلام، ودين احترام للإنسانية والإنسان، ودين تقدير للمرأة، فمن الطبيعي جداً أن ينجذب له كل من يسمع به، وينتمي إليه كل من يعرض عليه، ولذلك أمثلة ونماذج كثيرة تمتلئ بها سيرتهم العطرة(ع).
ثانيها: الانتماءات الخاصة: فإن بعض الأفراد قد يوجد وسط جماعة معينة وعنده مجموعة من المعتقدات، وعندما ينمو ويكبر لا يجد نفسه قادراً على قبولها، ويجد أن الحل الأمثل بعد عجزه عن التوفيق بين ما يعتقد، وبين أنها متبنيات يطالب العمل على وفقها، قيامه بنبذ الفكرة، ورفضها. ومن أمثلة ذلك ما يوجد في بعض المجتمعات من تنشأت الأطفال منذ الصغر على الاعتقاد بوجود إله، إلا أن هذا الإله لا يخرج عن صورة الإنسان، فيكبر الإنسان وينمو ويجد نفسه معتقداً بمعبود لا يختلف عنه في شيء أبداً، وهذا يجعله يرفض القبول بهذه الفكرة، إلا أنه في نفس الوقت لا يمكنه رفضها، فيعيش حالة من الازدواجية، والقلق الداخلي الذي ينجم عنه التمرد على الاعتقاد، ويكون ذلك من خلال نبذ المعتقد وفرض الدين، وهكذا.
ثالثها: تلوث المحيط بالأوحال الشيطانية: وغرق الأفراد وغيبوبتهم في عبادة اللذة، والشهوة والهوى، ومن الطبيعي أن الغيبوبة في الشهوات تتنافى وكل المشاعر السامية، سواء كانت دينية أم أخلاقية، أم غير ذلك، لأنها جميعها سوف تموت وتنطفأ نتيجة هه الحياة الحيوانية.
ولهذا متى أرادت أمة أن تقتل أمة من الأمم، فليس عليها إلا أن تقتل فيها روح الدين والأخلاق والقيم من الشجاعة وما شابه، بأن تغرقها بوسائل اللهو، وموائد الشهوات، واللذة.
وفي التاريخ نماذج وأمثلة واضحة، فأقرأ ما سطر فيه عن ضياع الأندلس من أيدي المسلمين وأسباب ذلك.
ولعلنا نجد أن أحد أسباب تأخر الكثير من المجتمعات الإسلامية اليوم يعود لهذا السبب، إذ أن الاستعمار الغربي، يعمد إلى اغراق البلاد الإسلامية بمثل هذه الأمور كي يبعدها عن الجادة القويمة، ومما يؤسف له حصول حالة الانقياد والاتباع إليه في ذلك، وقد عمد إلى ذلك من خلال مرحلة الطفولة، فقام بشل أفكار الأطفال بما يقدمه إليهم من برامج مسمومة.
رابعها: فقدان الأسلوب الصحيح في معالجة الحاجات والرغبات الطبيعية عند الإنسان: وهذا يعود إلى أن بعض دعاة الدين يفقدون الفهم الصحيح للدين، فلا يعرضونه بصورته الصحيحة، وإنما يعرضونه بصورته المشوهة[9].
[1] دور الدين في حياة الإنسان ص 65-73(بتصرف)
[2] المصدر السابق ص 79-83(بتصرف).
[3] رؤى في الفكر الإسلامي ج 1 ص 140.
[4] سورة
[5] سورة الأنعام الآيات رقم 77-79.
[6] سورة
[7] دور التدين في حياة الإنسان ص 92-96.
[8] رؤى جديدة في الفكر الإسلامي ج 1 ص 146.
[9] رؤى جديدة في الفكر الإسلامي ج 1 ص 151-155(بتصرف).