أحكام النحر والصيد

لا تعليق
الزاوية الفقهية - أبواب متفرقة
54
1

أحكام النحر:

السبب الثاني من أسباب التذكية الشرعية هو النحر،وهو عبارة عن طعن الجمل خاصة في لبته،واللبة هي نقطة التقاء رقبته بصدره.

فإذا طعن فيها الجمل بشروط معينة صار مذكى وحكم بطهارته وجواز أكله.

وعلى هذا فما لم يتحقق نحر الجمل بالكيفية التي ذكرنا لا يحل أكله،ولذا لو ذبح شخص جملاً فلا يجوز أكله،لأن ذبحه لا يكفي عن نحره،نعم لو ذبح الجمل بمعنى فري الأوداج،وقبل أن يموت قام بنحره في لبته،كان ذلك محققاً لتذكيته.

هذا وجميع الشروط التي قدمنا ذكرها في الحديث حول الذبح،تجري نفسها في أحكام النحر،ولذا لن نتعرض لإعادتها لأننا سبق وذكرناها مفصلاً في أحكام الذباحة.

أحكام الصيد:

الصيد هو القيام بعمل من شأنه تعطيل الحيوان الممتنع وإيقافه،مقدمة لأخذه والانتفاع به بعدما يصير حلالاً بنفس عملية الاصطياد.

والحيوان الذي تكون تذكيته بالصيد ليس مطلق الحيوان،وإنما خصوص الحيوان البري الممتنع،والطيور،فلا يستخدم الصيد ولا تتحقق التذكية به للحيوان الأهلي المستسلم والمنقاد للراغب فيه،فمن أطلق الرصاص على شاة أو دجاجة بعيدة عنه فماتت لم تحل بذلك ما لم يدركها حية ويذبحها قبل موتها بالرصاص،ومثل الحيوان الأهلي في عدم تحقق تذكيته بالصيد فرخ الطائر قبل أن يستقل بالطيران وولد الحيوان قبل أن يقدر على الركض،بل حتى الحيوان الوحشي إذا استأنس،كالظبي وبعض الطيور فإنه لا يذكى بالصيد،بل بالذبح.

وعلى العكس من ذلك فإن الحيوان الأهلي إذا ارتعب أو توتر ففر وصار يصعب إمساكه،فإنه يلحق بالحيوان الوحشي.

ومثل ذلك ما إذا تردى الحيوان الأهلي في بئر أو علق في شاهق،أو صار في مكان يصعب الوصول إليه كما لو كان في قمة جبل،وخيف موته هناك،فإنه في مثل هذه الحالات يحل تذكيته من خلال الصيد إذا كان الصيد جامعاً للشرائط.

صدق الصيد:

يصدق الصيد على طريقتين:

الأولى:أن يتحقق من خلال استخدام أداة غير قاطعة،ولا شائكة من أدوات الصيد التي لا تسبب موت الحيوان،وذلك مثل إمساكه باليد،أو بالفخ،أو بالشبكة،أو نحو ذلك.

هذا وإذا مات الحيوان في هذه الحالات من هذه العملية فإنه لا يحل أكله،بل لابد من إدراكه حياً،ثم يذكى بالذبح كي يحل.

واعلم أن الصيد بهذا المعنى ليس داخلاً في محل كلامنا،نعم تسميته صيداً،إنما هو بلحاظ المعنى العام،ولذا لا يترتب عليه إلا تملك الحيوان المصطاد.

الثانية:أن يكون الصيد قد تحقق من خلال استخدام أداة حيوانية كالكلب،أو أداة جمادية جارحة كالسهم،فإذا أصابه بالآلة أو أمسكه الحيوان المعلم بالشروط المعتبرة فيهما فأدركه الصائد ميتاً حل الصيد به وجاز أكله من دون ذبح،وبذلك يصير الصيد وسيلة مستقلة للتذكية إلى جانب تذكيته بالذبح كوسيلة مستقلة أيضاً.

الصيد بالآلة:

ويعتبر هذا الأسلوب هو الأسلوب الأكثر شيوعاً بين الأفراد،وعليه يقع الكلام فيه بالخصوص،دون الحديث عن الصيد بالحيوان لقلة الابتلاء به.

آلة الصيد:

يتحقق الصيد بكل آلة جارحة،سواء كانت حادة كالسيف والسكين،أو كانت شائكة كالسهم والرمح،أو كانت مدورة،وكانت مما ينفذ ويجرح بقوة الضغط كحبات الخردق الموجود في قذيفة البندقية الحديثة المستخدمة في الصيد المعروفة الصجم.

ولا فرق في الآلة الشائكة بين ما كان له رأس رفيع ينفذ بسهولة،كرأس السهم،أما ما كان له رأس مدبب ينفذ ويجرح بقوة الضغط،وذلك مثل رأس قاذف رصاصة البندقية الحربية، فقد وقع الخلاف فيه بين العلماء فقال بعضهم بتحقق الصيد به فيحل الصيد حينئذٍ،وقال آخرون بعدم حلية الصيد به.

ولا يشترط في آلة الصيد أن تكون من معدن معين،فيصح أن تكون من معدن الحديد أو من غيره من المعادن،كالنحاس والفضة وغيرهما،بل إنه يصح أن تكون من الأحجار أو الأخشاب إذا صنعت وصقلت بطريقة تجعلها بنفسها جارحة لبدن الحيوان الذي تقع عليه فضلاً عما لو كانت في رأسها حديدة.

هذا ولابد من تحقق الجرح فعلاً في بدن الحيوان المصطاد بتلك الآلة كي يحل أكله،فلا يكفي اصطدام الآلة به ووقوعه ميتاً نتيجة تلك الصدمة إذا لم تحدث فيه جرحاً حتى لو كانت الآلة مثل السيف والرمح فضلاً عما لو كانت مثل الخشبة المروسة.

ومما تقدم يتضح أن كل آلة لا يصدق عليها السلاح،أو ليس من شأنها أن تجرح،مما ليس قاطعاً ولا شائكاً لا يحل بها ما يموت من الصيد،فالحجارة والعمود والعصا غير المروسة والشبكة ونحوها من الأدوات،لا يحل بها ما يموت من الصيد.،بل حتى لو صدق على شيء أنه سلاح لكونه يستخدم في الحرب كالعمود مثلاً،إلا أنه لم يكن فيه قابلية الجرح فلا يحل ما يموت به من الصيد.

ثم لابد أن يعلم أن الحيوان قد مات استناداً إلى تلك الرمية التي رماه بها،فلو رماه فوقع من شاهق أو سقط في الماء فمات من ذلك،لا من الرمية لم يحل،وكذا لو شك في كونه هل مات من الرمية أو من غيرها لم يحل.

الصائد:

لابد من تحقق أمور من قبل الصائد حتى يحل الصيد بعدئذٍ،وهذه الأمور هي:

1-أن يكون الصائد مسلماً إجمالاً،ولا فرق في المسلم بين الرجل والمرأة،كما لا فرق بين المؤمن والمخالف في المذهب.

وأما بالنسبة لصيد الكتابي،فيأتي فيه الكلام الذي تقدم ذكره في الذباحة،فلاحظ ما ذكرناه هناك.

2-قصد الاصطياد بالرمي،فلو لم يكن الرامي بصدد الاصطياد،كما لو كان يتدرب على الرماية على هدف أمامه فمر الصيد فأصابه،أو كان يرمي على عدو أو حيوان أهلي فأصاب صيداً،لم يحل ذلك الصيد.

وهل يعتبر قصد خصوص الصيد المحلل،فلو رمى خنـزيراً أو كلباً فأصاب غزالاً فقتله لم يحل ذلك الغزال،أو لا يعتبر ذلك؟…خلاف بين العلماء فقال بعضهم بلزوم القصد،سواء بنحو الفتوى،أم بنحو الإحتياط،وقال آخرون بأنه لا يحتاج إلى ذلك.

وعلى أي حال،لا يشترط في الصيد لتحقق الحلية قصد نوع محلل بخصوصه،فلو كان يرمي على طائر فأصاب غزالاً حل له الغزال،وكذا لو قصد صنفاً خاصاً من الطيور فأصاب غيره،بل حتى لو قصد طيراً مخصوصاً أمامه فأصاب الذي بجانبه من نفس الصنف حل له أيضاً.

3-صدور التسمية وذكر الله تعالى من الصائد،وذلك إما عند إطلاق الرمية أو بعد إطلاقها،ولكن قبل أن تصيب الرمية الحيوان.

هذا وأكمل الألفاظ في التسمية أن يذكر لفظ الجلالة مقترناً بالتعظيم،فيقول مثلاً:الله أكبر،أو بسم الله.

وهل يكفي مجرد ذكر لفظ الجلالة،دون قرنه بالتعظيم؟…خلاف سبقت الإشارة له في أحكام الذباحة فراجع ما ذكرناه هناك.

ثم إنه إذا تعمد ترك التسمية فقد حرم أكل الحيوان المصاد،أما لو سهى عن ذكرها فلا إشكال في الحلية،لكون التسمية شرطاً عند الالتفات.

أحكام عامة:

1-لا يعتبر أن تكون أداة الصيد مباحة،فيحل الصيد إذا توفرت الشروط المتقدمة حتى لو كانت الآلة مغصوبة،نعم يكون مأثوماً لتصرفه في مال غيره.

2-لا يعتبر وحدة الصائد،فلو اشترك اثنان في إطلاق الرصاص على هدف واحد فأصاباه حل،فإنه يحل الصيد حينئذٍ،إذا توفرت الشروط المعتبرة في حلية الصيد،كما لا يعتبر أيضاً وحدة الآلة.

ومتى اشترك اثنان في الصيد،لزم حصول التسمية من كليهما فلا يكتفى بصدورها من أحدهما.

3-إنما يحل الحيوان بالصيد إذا أدركه الصائد ميتاً بعد إصابته وجرحه من قبل الآلة،فلو أدركه الصائد وبه رمق من الحياة وجب عليه أن يبادر إلى تذكيته بالذبح إذا كان الوقت يتسع لذلك،فإن لم يقم بذبحه ومات مع سعة الوقت لم يحل الصيد.

ومعنى إدراكه حياً أن يصل إليه ويقدر على إمساكه،فلو وصل إليه لكنه كان معلقاً على شجرة أو كان ما يزال يعدو أمامه،فإنه إذا مات قبل أن يمسكه والحالة هذه يحل أكله.

هذا وأدنى مراتب الحياة أن يدركه وهو يطرف بعينه أو يحرك رجله أو يده أو ذيله،فإن وسع الزمان فذكاه وهو كذلك فقد حل،وإن لم يذكه فمات فقد حرم.

ولو سئل سائل فقال:

إذا أدرك الصائد الصيد حياً،لكنه اشتغل بمقدمات ذبحه كتناول السكين،وتوجيهه ورفع الشعر عن رقبته،ونحو ذلك،فمات الصيد قبل ذبحه،فهنا ما هو الحكم؟…

فنجيب:

إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال ففي مثل هذه الحالة يحكم بحلية الحيوان،وعليه يجوز أكله.

وقد يقول آخر:

إذا أصابت الآلة الصيد فوقع،هل يجب المبادرة إليه،من أجل إدراكه حياً وتذكيته بالذبح،أو لا يجب ذلك؟…

فنجيب:

إذا كان الصيد لا زال ممتنعاً وغير عاجز عن الحركة،فلا تجب المبادرة إليه،أما لو لم يكن كذلك فالظاهر لزوم المبادرة له.

صيد السمك:

كان ما تقدم من الحديث حول الصيد في غير السمك،أما هو فالذي يحل أكله من الأسماك هو السمك الذي يكون له قشر ينـزع عنه،وحليته لا تكون إلا بعد تحقق تذكيته من خلال صيده بطريقة خاصة.

فيحل أكله إذا تمت السيطرة عليه حياً والإمساك به باليد نفسها أو بما تمسك به اليد من رمح،أو صنارة،أو نحوها مما يتناول به الحيوان ويعجز،أو يتم الإمساك به من خلال السيطرة عليه بالطرق غير المباشرة،مثل وقوعه في الشبكة أو الحظيرة،أو جعله يقفز على لوح طافٍ،أو سفينة متوقفة، بطريقة خاصة ومعدة للصيد،أو بدفعه إلى مكان معين ثم إفراغه من الماء،ونحو ذلك من الوسائل التي لا تستخدم اليد فيها مباشرة،بل يحل السمك أيضاً إذا قفز هو بنفسه إلى البر أو السفينة فأمسك به الصائد.

فإذا لم يتحقق اصطياد السمك بإحدى هذه الطرق التي ذكرناها،ولا بغيرها مما يكون مشابهاً لها،لم يحكم بحلية السمك.

ولذا لو التقط السمك الميت داخل الماء أو الطافي على وجه الماء لم يحكم بحلية أكله،وكذا الحكم في السمك الذي يقفز خارج الماء أو ينحسر عنه الماء فيموت في الحالتين قبل الإمساك به،حتى لو وقع النظر عليه وهو يضطرب خارج الماء.

وقد يسأل سائل فيقول:

هل يشترط في حلية السمك المصطاد أن يموت خارج الماء،أو يكفي حتى لو مات فيه بعدما تحقق اصطياده،كما لو قام بطعنها برمح فماتت داخل الماء من الطعنة،أو نصب لها شبكاً،ولما أخرج الشبك وجد قسماً منها قد مات،أو أنه نصب الشبك وتركه،ودخله السمك،ثم بعد ذلك انحسر الماء عنه فمات السمك؟….

خلاف بين العلماء،فقال بعضهم بأنه يعتبر في حليته أن يخرج من تحت الماء حياً،ويكون موته خارج الماء،وقال آخرون أنه لا يشترط في حليته أن يخرج من تحت الماء حياً،بل يكفي حيازته.

إن قلت:بعدما تم الإمساك بالسمك وإخراجه من الماء،قفز السمك فعاد إلى الماء ثانية ومات فيه،فما هو حكمه في هذه الحالة.

قلنا:إذا عاد السمك إلى الماء بعد خروجه منه،فمات فيه لم يحل،بل حتى إذا ربطه بحبل،أو وضعه في سلة وأرجعه إلى الماء بعدما كان قد أخرجه منه فمات في داخل الماء على النحو المذكور،حكم أيضاً فيه بعدم الحلية.

هذا ولا يعتبر السمك صيداً لصائده يملكه إلا إذا تحقق منه الإمساك به،وإلا فقبل ذلك هو ملك للجميع،مثلاً ولو استخدم أسلوب جديد في صيد السمك من خلال وضع مادة مخدرة في الماء فطفا السمك،فإنه لا يعتبر ذلك السمك الطافي صيداً لمن وضع المخدر في الماء،وإنما يكون صيداً له إذا قام بالإمساك به،فإذا مات وهو على هذه الحالة قبل الإمساك به لم يحل أكله.

ثم إن صيد السمك لا يعتبر فيه أن يكون الصائد مسلماً،فلو صاده غير المسلم من أهل الكتاب أو غيرهم،مع تحقق الأمور المعتبرة صار السمك مذكى وحل أكله.

ولا يعتبر في حلية السمك أيضاً التسمية عند أخذه من الماء،بل يحل السمك بأخذه واصطياده بتسمية أو بدونها.

نعم لو أخبرنا شخص غير مسلم بأن السمك الذي عنده مذكى،فإنه لا يصدق خبره،إلا إذا حصل العلم أو الإطميئنان بالتذكية، أو بصدقه فيما قال،أو أخبر المسلم الثقة بكون ما في يد الكافر مذكى.

أما ما يؤخذ من المسلم فإنه لا يجب السؤال عن تذكيته ويعتبر مذكى،إلا إذا كان المسلم قد أخذه من الكافر فإنه لا يعتبر مذكى حتى يشهد المسلم بتذكيته.

ثم إنه لا يشترط في جواز أكل السمك تحقق موته بعد أخذه،فيجوز أكله حياً،فضلاً عن أنه يجوز فعل ما يسبب له الموت عند تحضيره للطبخ،كأن يقطع رأسه،أو يضعه على نار الشواء وهو حي،أو نحو ذلك.

صيد الجراد:

ولما كان هذا الفرد من الموارد القليلة التي تكاد أن تكون نادرة رأينا الإعراض عن بيان تفصيلاته،والله سبحانه وتعالى العالم العاصم.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة