الارتباط بأهـل البـيت

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
203
0

جاء في الزيارة الجامعة:وجعل صلواتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا وطهارة لأنفسنا وتـزكية لنا وكفارة لذنوبنا.

مدخل:

لقد كانت العلاقة التي تربط شيعة أهل البيت،بالبيت النبوي علاقة وطيدة،بحيث تحدت جميع الصعوبات التي كانت تواجههم،إذ نراهم تحملوا جميع ما وقع عليهم من اضطهاد وتشريد،فضلاً عن التنكيل والتعذيب،كل ذلك في محبة تلك الثلة الطاهرة التي اصطفاها الله سبحانه وتعالى.

وعادة ما يحتاج الإنسان إلى أن يتوقف مع نفسه في حالة تساؤل واستفسار عن سر هذا الارتباط الوطيد،خصوصاً وهو يلاحظ ما ينصب عليه من الأسى نتيجة ذلك،بل قد يتعدى الأمر إلى مرحلة التفكير،في أنه هل هو على الحق والصواب وأن غيره على الباطل،وما شابه ذلك.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن بيان أن إتباع منهج البيت(ع)هو الطريق الصحيح،وإنما سوف نحصر الحديث في الآثار التي يجنيها المؤمن،نتيجة العلاقة التي تكون بينه وبين الأئمة الأطهار(ع).

كل ذلك من خلال التأمل في هذا المقطع الذي افتـتحنا به الحديث،وهو أحد المقاطع الواردة في الزيارة الجامعة.

الزيارة الجامعة:

إن للزيارة الجامعة فعلاً عجيـباً جداً على النفوس،فهي تعمل على إنارة القلب،كما أنها تساهم في تمكين الإنسان من السيطرة على النفس الأمارة بالسوء.

هذا ولكي يلمس القارئ للزيارة الجامعة ما ذكرناه،عليه أن يقرأ الزيارة قراءة فكرية روحية،لا أن يقرأها قراءة سلبية لا تـتعدى ترديد الألفاظ دون ملاحظة منه للمعاني الجليلة التي تنطوي عليها.

وبالجملة المهم في قراءة الزيارة الجامعة هو تحقق الارتباط من القارئ بأهل البيت(ع)كيما يتمكن من بلوغ مرتبة التوسل بهم،بعد إحكام الارتباط بالله سبحانه وتعالى.

ومن المقاطع التي يشعر القارئ لها بلذة خاصة حينما يقرأها هذا المقطع الذي صدرنا به حديثنا،حيث يشعر معه القارئ بلذة الخطاب معهم(ع)خصوصاً وأن الحب والود يملأ قلبه،ويسيطر على جميع جوانبه.

وحتى تكون الغاية المرجوة واضحة وحاصلة،لا بأس أن نتوقف قليلاً مع هذه الكلمات التي ذكرناها في مطلع حديثنا.

وجعل صلواتنا عليكم:

هذه أول الأمور التي تربط الموالي لأهل البيت(ع)بأئمة الهدى،من خلال الصلوات التي تصدر منه عليهم،لكن ما هي هذه الصلوات؟…عندنا احتمالان:

الأول:أن يكون المراد من الصلوات هنا الصلاة التي يؤديها الإنسان يومياً وهي فرائضه الخمس،وما يصاحبها من النوافل،فيكون المعنى جعلكم الله في بيوت تصير الصلاة فيها،وإظهار الولاية سبباً لكرامة الله علينا بالأخلاق الحسنة وطهارة لأنفسنا من الرذائل كما حلانا بالفضائل.

الثاني:أن يكون المراد،من الصلوات هنا الصلاة على محمد وآله الطاهرين،بقول المؤمن:اللهم صل على محمد وآل محمد.

والظاهر أن الاحتمال الثاني أقرب،بملاحظة النصوص الدالة على أن الصلاة عليهم،وقبول ولايتهم توجب طيب الخَلق والخُلق،وتزكية الباطن،وكفارة الذنوب.

فمن تلك الروايات:ما جاء عن إمامنا الرضا(ع)قال:من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه،فليكثر من الصلاة على محمد وآله،فإنها تهدم الذنوب هدماً.

وقال(ع):الصلاة على محمد وآله تعدل عند الله عز وجل التسبيح والتهليل والتكبير.

وجاء عن النبي(ص)أنه قال:من صلى علي كل يوم أو كل ليلة وجبت له شفاعتي ولو كان من أهل الكبائر.

وقال(ص):صلاتكم علي جواز دعائكم،ومرضاة لربكم،وزكاة لأعمالكم.

والحاصل،ظهر من هذه النصوص ومن غيرها أن الصلاة عليهم(ع)توجب غفران الذنوب حتى الكبائر،بل جاء في بعضها أن المصلي عليهم(ع)يعود كيوم ولدته أمه،وتوجب زكاة أعماله أن يبرأه الله تعالى من كل نقص وآفة،كما أن الصلاة عليهم(ع)مرضاة للرب وسبب لاستجابة الدعاء.

ومما ذكرنا يتضح الآثار المترتبة على الصلاة التي تصدر من الإنسان المؤمن الموالي لأهل البيت(ع)وما يصحبها من آثار عليه.

حقيقة الصلاة:

ولا يخفى أن الصلاة عليه،ليست مجرد ذكر بعض الحروف والكلمات،إنما هي اعتقاد وانتماء،فالمصلي عليهم،يبرأهم من كل نقص،كما يقر بأن الله قد برأهم من كل نقص موجود في المخلوقين.

وما خصنا به من ولايتكم:

يوجد في كلمة الولاية،معنيان هما:

1-القرب،فالحبيب قريب من حبيبه.

2-الإتباع،لأن المحبة تدعو إليه.

فلا يكون المؤمن موالياً لهم(ع)إلا بعد أن يحبهم،وقد وردت النصوص المتحدثة في ما لمن أحبهم،فقد سأل أعرابي النبي(ص)،يا رسول هل للجنة من ثمن؟…

فقال(ص):نعم،قال الأعرابي:وما ثمنها؟…قال النبي(ص):لا إله إلا الله يقولها العبد مخلصاً بها.

قال:وما إخلاصها؟…قال(ص):العمل بما بعثت به في حقه وحب أهل بيتي.

قال:فداك أبي وأمي وإن حب أهل البيت(ع)لمن حقها؟…قال(ص):إن حبهم لأعظم حقها.

وعلى أي حال،محبتهم(ع)هي أول الخطوات التي يخطوها المؤمن،ليحقق الانتماء والارتباط بهم،ويصدق عليه أنه موالٍ لهم.

الولاية شرط في القبول أو الصحة:

وقد وقع الخلاف بين علمائنا،في أن ولاية أهل البيت(ع)هل هي شرط في قبول العمل،بمعنى أن المكلف تفرغ ذمته من العمل الذي اشتغلت ذمته،لكنه لا يكون مقبولاً عند الله سبحانه وتعالى،لأن شرط القبول هو ولاية أهل البيت(ع).

أو أن الولاية شرط في صحة العمل،فمن عمل عملاً ولم يكن موالياً لأهل البيت(ع)فلن يكون ذلك العمل صحيحاً مما يعني أن ذمته لم تفرغ مما كانت مشغولة به من التكليف.

هذا ومرد هذا الاختلاف بينهم يعود لما يستظهر من النصوص الروائية الواردة عنهم(ع)حيث يستفاد من بعضها أن الولاية شرط في قبول العمل،بينما يستفاد من أخرى أن الولاية شرط في صحة العمل.

وعلى أي حال،هذا بحث يحال تحقيقه وبيان صحة أي من القولين إلى البحوث الفقهية،وليس هذا مجاله.

صدق الولاية:

هذا وقد عرفنا أن الركن الثاني الذي تبتني عليه الولاية الإتباع،فلابد من أن يكون الموالي لهم(ع)متبعاً لهم،ومعنى اتباعه لهم يستدعي أن يكون محققاً لجميع ما ورد عنهم من أوامر ونواهي،فلا يعمل إلا العمل الحسن،لأن صدور الحسن من كل أحد حسن ومن الموالي لهم أحسن لقربه منهم(ع).

فينبغي إذن للموالي أن لا يرتكب ذنباً ولا يقترف خطأ،لأن ذلك يدخل الحزن والأسى على أهل البيت(ع)خصوصاً وأن أعمالنا تعرض عليهم في كل أسبوع،على خلاف الروايات،بين كون العرض متعدداً في أكثر من يوم من أيام الأسبوع،أو أن العرض يكون في يوم واحد.

نتائج العلاقة:

ثم يتعرض المقطع محل البحث إلى بيان الآثار التي يحصلها الملتـزم خط أهل البيت،والنتائج التي ينالها،فيذكر أن هناك عدة نتائج:

1-طيب الخلق،حيث أن الموالي لهم يكون طيب المولد،طاهر الانتساب لأبويه،لم يخالطهما أحد في ذلك،وهذا المعنى أشارت له نصوص عديدة،حتى قال بعض الصحابة أننا كنا نمتحن أبنائنا لنعرف صحة انتسابهم لنا بحبهم لعلي بن أبي طالب فمن أبى حبه،شككنا في نسبه.

هذا وقد تقرأ الخُلق،فيكون المعنى أن الانتماء لهؤلاء سبيل لتقويم الأخلاق،وإضفاء الخلق الحسن على المنتمي لهم،وكأن الانتماء لهم سبب رئيسي يستدعي أن يكون للإنسان حصانة تمنعه عن الأفعال المشينة،والأعمال المستهجنة.

ثم إن الشيعة قد خلقوا من فاضل الطينة التي خلق منها المعصومون(ع)،ولعل هذا السر في حصول طيب الولادة،إذ أن أصل النشأة يعود لهم(ع)،فعن النبي(ص)أنه قال لأمير المؤمنين(ع):ألا أسرك ألا أمنحك ألا أبشرك؟فقال:بلى يا رسول الله بشرني،قال:خلقت أنا وأنت من طينة واحدة،ففضلت منها فضلة،فخلق الله منها شيعتنا فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم،فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أمهاتهم سوى شيعتنا.

2-طهارة النفس،وصفائها،وخلوها من كل دنس،ومن كل حجب يمنعها من الصعود إلى قوس الصعود والسير في عالم العشق.

3-التـزكية،بالسيطرة على الغرائز التي تحويها النفس البشرية،لأن المنتمي لهم(ع)يكون له واقي وحاجز يجعله يتأمل قبل أن يقدم على أي عمل،وهو معنى المراقبة،كما أنه يحاسب نفسه على كل فعل يصدر منه،ليحقق المحاسبة،وقد يترقى إلى مستوى المشارطة والمعاهدة،مما يعني حصول التـزكية المطلوبة للنفس.

4-كفارة للذنوب،وذلك أنه لا يخرج من الدنيا حتى يصفى من الذنوب والخطايا،إما بمصيـبة في مال أو في نفس أو ولد أو مرض،وقد يكون خوف يرد عليه من أهل دولة الباطل.

وأدنى ما يصنع بوليهم(ع)أن يريه الله تعالى رؤيا مهولة،فيصبح حزيناً لما رآه،فيكون الغم والهم الذي ركبه كفارة لذنبه،كما جاء ذلك عن إمامنا الباقر(ع).

أو يشدد عليه عند الموت،فيلقى الله عز وجل طاهراً من الذنوب آمنة روعته بمحمد وأمير المؤمنين(ع)،ثم يكون أمامه أحد أمرين:

1-رحمة الله الواسعة التي هي أوسع من أهل الأرض جميعاً.

2-شفاعة محمد وعلي(ع)،فعندها تصيبه رحمة الله الواسعة.

وبالجملة،إنما كانت الصلاة عليهم سبباً لهذه الآثار،لأن الصلاة عليهم ترجع حقيقة العبد إلى أصله،بأن يجدد الارتباط،ويستمد من أنوارهم المقدسة،فتغلب تلك الأنوار على قلبه،فيطهر ما صدر منه من المعصية فيغسلها.

وعلى هذا تكون أنوار الولاية غاسلة لآثار المعاصي،فيكون العبد عندها من أهل الجنة،ولهذا جاء عنه(ص):لن يلج النار من صلى علي.

وقال(ص):الصلاة علي نور الصراط،ومن كان له على الصراط نور،لم يكن من أهل النار.

لا تكفي الولاية بلا عمل:

ولنجعل ختام حديثنا بما أشرنا له قبل قليل،من أن الارتباط الفعلي بأهل البيت(ع)،لا يكون بمجرد دعوى الارتباط وقول الشخص،بكونه يواليهم ويحبهم،بل إن الأمر يستدعي أن يطبق المكلف ذلك خارجاً،من خلال ما يصدر منه من عمل صالح يسر أهل البيت حينما يطلعون على صحيفة أعماله،ولذا نجد أنهم(ع)يذكرون من هو الشخص الذي يواليهم وينتمي لهم،فعن أبي عبد الله الصادق(ع)قال:شيعتنا هم الشاحبون الذابلون الناحلون الذين إذا جنهم الليل استقبلوه بالحزن.

وعنه(ع)فيما رواه المفضل:إياك والسفلة فإنما شيعة علي(ع)من عف بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه،فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.

وفي وصية أبي جعفر الجواد(ع) لخيثمة أنه قال:أبلغ شيعتنا،أنا لا نغني من الله شيئاً وأبلغ شيعتنا أنه لا ينال ما عند الله إلا بالعمل،وأبلغ شيعتنا أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره،وأبلغ شيعتنا أنهم إذا قاموا بما أمروا أنهم هم الفائزون يوم القيامة.

وعن أبي جعفر الباقر(ع)قال:يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه-إلى أن قال-فاتقوا الله واعملوا لما عند الله،ليس بـين الله ولا بين أحد قرابة،أحب العباد إلى الله تعالى وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته،يا جابر والله ما نتقرب إلى الله إلا بالطاعة،ما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة،من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي،ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو،وما تنال ولايتنا إلا بالفعل والورع.

وقد يمكننا التوفيق،بين هذه النصوص وبين ما ذكرنا أن العذاب الذي يصاب به محبيهم،إنما هو الذي يصفيهم من الذنوب ليأتوا يوم القيامة وقد صفوا من كل ذنب.

لكن الحبيب لا يكتفي أن يأتي يوم القيامة وصحيفته بيضاء من الذنوب،بل يسعى إلى أن يأتي يوم القيامة بصحيفة مملوءة بالعمل الصالح،كي يحظى بمجاورة محمد وآله الطاهرين،وليكون قريباً منهم في جنة الفردوس.

التوسل:

ثم إن المؤمن الموالي إذا بلغ هذه المرتبة،وصار في هذه المنـزلة أمكنه حينئذٍ أن يتوجه لأهل البيت(ع)متوسلاً بهم إلى الله سبحانه لقضاء الحاجات ونيل الطلبات والعطايا.

وأحب أن أشير هنا،إلى ما يرد على بعض الأذهان من أننا نتوجه بالمعصومين،لكننا لا ننال جواباً ولا نبلغ مراداً.

فأقول،أن ذلك يعود لانتفاء أحد أمرين،إن لم يكن كليهما:

إما انتفاء المعرفة التامة والارتباط التام الذي يحقق معنى الولاية الصحيحة التي تجعل المعصومين،يلتفتون للسائل،حتى يشفعوا له عند الله تعالى لقضاء حاجته.

أو لكونه غير مؤهل لأن يعطى ما طلب،لكونه شخصاً قيدته ذنوبه،مما حرمه من فيوضات الله سبحانه وتعالى.

وعلى أي حال،ينبغي لنا أن نعيد النظر في علاقتنا بأهل البيت(ع)والناحية الإرتباطية التي بيننا وبينهم،وبالأخص بإمامنا صاحب الزمان(عج)لنكون مستحقين لنيل تلك الفيوضات وتحصيل تلك العطايا التي يجودوا بها على شيعتهم.

اللهم ثبتنا على ولايتهم والبراءة من أعدائهم.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة