هناك أشياء يجب على المرأة سترها في الصلاة من أجل الصلاة،كما أن هناك أشياء يجب عليها سترها في غير الصلاة.
وعلى هذا نستطيع أن نقسم الستر اللازم على المرأة إلى قسمين:
الأول:الستر الواجب لنفسه.
الثاني:الستر الواجب لغيره.
ومن القسم الثاني الستر الواجب للصلاة،فليس الستر الصلاتي واجباً لنفسه،وإنما وجوبه من أجل الصلاة.
ستر العورة:
أما القسم الأول،فهو ستر العورة،فيجب على كل مكلف أن يستر عورته عن الناظرين،في كل الأحوال،بكل ما يصلح حاجزاً وستراً عند وجود الناظر،وعدم الأمن من النظر إليه.
ولذا لو كان المكلف في مكان بوحده وليس معه من أحد وكان يأمن النظر من الآخرين،جاز له أن يكشف عورته.
وكذا لو كان في مكان مظلم يمنع الظلام فيه عن الرؤية،أو لو كان معه أحد لكنه كان أعمى،أو كان ناظراً لكنه يأمن منه بأنه لن ينظر إليه.
عورة المرأة:
هذا ونحتاج لتطبق الحكم معرفة حدود موضوعه وهو عورة المرأة،فينبغي علينا معرفة حدودها حتى نـتمكن من تطبيق الحكم عليها حينئذٍ،فنقول:
هناك فردان لعورة المرأة:
الفرد الأول:عورة المرأة مع المحارم،ومع المماثلين لها من النساء،ويمكن أن يعبر عنه بالعورة الخاصة،وذلك لكون هذا المقدار من العورة يحرم على الجميع النظر إليه.
الفرد الثاني:عورة المرأة مع الرجل الأجنبي،وهي عبارة عن العورة العامة.
أما الفرد الثاني،وهو العورة العامة:فعورة المرأة بالنسبة إلى الرجل الأجنبي تعني جميع جسدها ما عدا الوجه والكفين كما هو رأي بعض العلماء القائلين بجواز كشف الوجه،إذا لم يكن هناك فتنة ولا ريبة،وسيأتي له مزيد تفصيل فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
العورة الخاصة:
وأما العورة الخاصة ونعني بها خصوص الفرج وحلقة الدبر،وهي التي يجب سترها ولا يجوز النظر إليها من كل ناظر من الذكور سواء المحارم أو الأجانب،وكذا لا يجوز النظر إليها من قبل النساء المماثلات للمرأة في الجنس.
أما بقية أعضاء الجسد فيجوز للمرأة أن تنظر إلى بقية أعضاء جسد المرأة غير ما ذكرنا،دون تلذذ وشهوة وريـبة،كما يجوز للمحارم أيضاً أن ينظروا إلى أجساد محارمهم غير ما ذكرنا دون تلذذ وريـبة.
نعم يستحب للمحرم،ألا ينظر إلى جسد محارمه ما بين السرة والركبة.
نعم يجوز للزوج أن ينظر إلى عورة زوجته الخاصة،وكذا يجوز له النظر عورة أمته الخاصة.
معنى المحرم:
ونعني بالمحرم الشخص الذي لا يجوز للمرأة الزواج به،كالأب وهو يشمل الأجداد مهما تصاعدوا،وآباء الأزواج وأجدادهم سواء كانوا من طرف الأم أم من طرف الأب،والأبناء الشامل للأحفاد مهما نزلوا،سواء كانوا من نسل الأولاد أم من نسل البنات،وأبناء الأزواج وأحفادهم،والإخوان وأبنائهم،وأبناء الأخوات.
نعم زوج الأخت يحرم على المرأة الزواج به ما دام زوجاً لأختها،لكنه لا يعد من المحارم،وكذا زوج بنت المرأة ليس محرماً لزوجة الرجل الثانية،إذا كان الرجل متزوج بامرأتين.
الإستثناءات:
نعم هناك بعض موارد الاستثناء،التي يجوز معها النظر إلى العورة الخاصة،وهي:
1-الاضطرار:
فيجوز في كل مورد من موارد الاضطرار،النظر إلى العورة الخاصة،سواء كان الناظر من النساء المماثلين للمرأة،أم كان الناظر من الرجال،كما في حالات المعالجة،وإنقاذ الغريق،وإنقاذ الحرقى،بل هنا يجوز أيضاً حتى اللمس.
ونعني بالاضطرار مطلق المخاطر الصحية التي يعتد بها مما يسعى العقلاء إلى تجنبه حفاظاً على سلامة الجسد،حتى لو كان الألم مما يمكن أن يتحمل ويصبر عليه،فضلاً عما لو كان يوجب الهلاك أو ما يشبه الهلاك كفقد الأعضاء الحيوية،أو حصول الأمراض الخطيرة.
المعالجة:
كما في صورة ولادة المرأة،فإن ذلك يستدعي أحياناً كشف العورة الخاصة منها،وكذا في بعض حالات المعالجة المتعارفة.
نعم هناك موارد تستدعي كشف العورة العامة،كما في صورة كشف اليد على الطبيب الأجنبي،أو الرجل مثلاً،أو كشف الوجه لعلاج البشرة أو العينين،على رأي من لا يجيز كشف الوجه.
والحكم في العورة العامة،هو نفس الحكم في العورة الخاصة،فلا نحتاج إلى تكرارهما.
وحينما نذكر المعالجة على أنها مورد لجواز كشف العورة الخاصة،لابد من الالتفات إلى أنه لا يجوز الدخول على الطبيب الرجل إذا كان هناك من يؤدي الغرض،من النساء،كما أنه إذا أمكن الطبيب أن يقتصر في المعالجة على النظر في المرآة دون النظر إلى نفس العورة مباشرة فعليه أن يعمد إلى ذلك،وهذا الحكم كما يجري في حق الطبيب الرجل،يجري في حق الطبيبة أيضاً.
كما أنه إذا أمكنه النظر دون مس العورة،وجب عليه الالتزام بذلك،من خلال لبسه لشيء يمنعه عن مس البشرة.
وضع اللولب:
وهل يعتبر من موارد الاضطرار استخدام وسائل منع الحمل،كوضع اللولب،حيث أن وضعه يستدعي كشف العورة الخاصة أمام المماثل،خصوصاً وأن الإنجاب يسبب انزعاجاً شديداً للمرأة كما يسبب لها تذمراً نفسياً؟…
الظاهر أن هذا المورد لا يعد من موارد الضرورة المسوغة لكشف العورة الخاصة،نعم لو كان الإنجاب يسبب لها القلق النفسي الشديد مما يوجب وقوعها في الحرج الذي يرفع معه التكليف،فعندها يجوز لها الكشف.
ثم إن جواز الكشف في مثل هذا المورد مشروط بشرط آخر وهو أن لا تكون هناك وسيلة أخرى من وسائل منع الحمل يمكن اللجوء لها والاعتماد عليها في عملية تحديد النسل وتنظيمه.
ومثل ذلك في الحكم لو أرادت المرأة أن تجري لنفسها عملية قطع الإنجاب،حيث يفتي بعض الفقهاء بجوازه،لكن هذا لا يعتبر أمراً يسوغ كشف العورة الخاصة،إلا بالقيدين السابقين.
2-الجبر والإكراه:
وهذان موردان آخران،أيضاً يجوز فيهما كشف العورة الخاصة أيضاً،كما إذا اقترنا بتهديد بالهلاك وشبهه،أو كان التهديد بما دون ذلك من الآلام التي يعتد بها.
3-الحرج الشديد:
الذي يرتفع معه التكليف عادة،فإنه يجوز في مثله كشف العورة الخاصة.
هذا وقد يقال بأن من مصاديق الحرج الشديد أيضاً،الموارد التي يصعب تحملها مثل العار والفضيحة والذل الشديد.
الحجاب
وهو من ضروريات الإسلام،ومن أنكر حكمه كان حكمه حكم منكر الضروري،وحكم منكر الضروري كافر إذا رجع إلى إنكار الرسالة المحمدية.
هذا والحجاب: عبارة عن ستر المرأة لعورتها العامة عن الرجل الأجنبي،وقد عرفنا أن المراد من العورة العامة،عبارة عن جميع بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين،على رأي بعض العلماء.
فلا يجب على المرأة أن تستر بدنها عن زوجها لعدم كونه رجلاً أجنبياً عنها.
كيفية الحجاب:
لا يوجد عندنا في الشرع المقدس كيفية خاصة يجب على المرأة مراعاتها ليصدق عليها أنها متحجبة،بل المهم عندنا شرعاً للمرأة في حجابها ستر ما يجب عليها ستره من جسمها،وقد عرفنا مقداره،ولذا لا عبرة عندنا بشكل الثياب الساترة على الإطلاق.
فالعباءة والملاءة وغيرها،كلها مجزية شرعاً،وهذا الذي ذكرناه هو المستفاد من القرآن الكريم،حيث نجده يصريح بعدم ضرورة لف الجسم بالعباءة أو نحوها،قال تعالى:- (وليضربن بخمرهن على جيوبهن).
وهذا يعني جواز الخروج شرعاً إلى الشارع بالثوب والخمار إذا ستر الرأس والصدر،لكن ينبغي الالتفات إلى أن الثوب المراد،هو الثوب الذي كان على الطريقة القديمة التي لم يكن فيها في الوسط حزام،مما يعني أنه كان يستر وركي المرأة تماماً حتى حجمه الخارجي،ولا ريب أن هذا هو الأولى والأحسن والأفضل للمرأة العفيفة،أن تكون ساترة لكل شيء منها بحيث لا يتجسد عند النظر إليها شيء من بدنها،بل قد يكون هذا المقدار واجباً على بعض أراء العلماء.
ومن الواضح أن هذه هي المزية الأساسية للعباءة،ونحوها مما يستر الوركين فتكون راجحة بلا إشكال،على غيرها من أنواع الستر.
شروط اللباس:
هناك شروط للباس الذي تريد المرأة ارتدائه،حينما تريد أن تكون متحجبة،وساترة لنفسها عن الأجنبي.
ومراعاة هذه الشروط مدعاة لرضا الله سبحانه وتعالى،كما أنها سبيل للحصول على السعادة الأبدية،وتلك الشروط هي:
1-الإباحة:
بمعنى أن يكون هذا الثوب من أموالها الخاصة التي لم يتعلق بها ملك شخص آخر،أو أن تكون من مال شخص راض عنها بإنفاقها في هذا الغرض.
وعلى هذا لو اشترت المرأة لباساً،ولم تدفع ثمنه،أو كان في نيتها أن لا تدفع أو اشترت لباساً بمال تعلق به الخمس،فإنه يكون في جميع هذه الموارد من اللباس المغصوب،أو في حكمه،مما يعني حرمة لبسه.
2-أن لا يكون اللباس شفافاً يظهر من خلاله البدن:
قال رسول الله(ص):يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة،وهو شر الأزمنة،نسوة كاشفات عاريات،متبرجات،من الدين خارجات،في الفتن داخلات،مائلات إلى الشهوات،مسرعات إلى اللذات،مستحلات المحرمات،في جهنم خالدات.
فلو لبست المرأة جورباً شفافاً،بحيث يرى من خلاله البدن،لم يكن ذلك محققاً للستر الواجب عليها،خصوصاً على فتوى من يقول بلزوم ستر القدمين عن الأجنبي.
3-أن لا يكون اللباس من لباس الشهرة:
وهو كل لباس يستدعي إهانة المرأة والنيل من كرامتها ووسمها بالذل والهوان بين أفراد المجتمع،فإن كان اللباس كذلك،حرم عليها لبسه.
بل كل لبس يثير الاستهجان والاستقباح عند عامة الناس في البلد،يكون من لباس الشهرة في ذلك البلد،فلا يجوز لبسه فيه.
بل يحتاط بعض الفقهاء بترك اللباس الذي لا يكون متعارفاً بين الناس،لقلة لابسيه.
4-أن لا يكون ذلك اللباس من ملابس الرجال.
5-أن لا يكون اللباس مما يثير الانتباه:
فإذا كان اللباس كذلك حرم على المرأة لبسه،وكذا لا يجوز لبس الملابس المجسمة لمفاتن المرأة والمبرزة لمحاسن بدنها،كما لا يجوز لبس كل لباس يوجب الفتنة النوعية.
بل لو لبست المرأة حذاء،يظهر صوتاً إذا مشت به،مما يؤدي إلى إلفات نظر الرجال الأجانب إليها،أو كان ذلك الحذاء يوجب الفتنة النوعية،حرم عليه لبسه.
6-أن لا يكون اللباس وسيلة لإشاعة الفساد في المجتمع الإسلامي.
ما يجب على المرأة ستره:
هذا ولنشر إلى ما يجب على المرأة ستره عن الرجل الأجنبي،فنقول:
هنا رأيان لعلمائنا:
الأول:يجب على المرأة تغطية جميع بدنها عن الرجل الأجنبي،والأحوط وجوباً لها أن تستر وجهها وكفيها أيضاً.
الثاني:يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها عن الرجل الأجنبي،ما عدا الوجه والكفين،فإنه يجوز لها أن تكشفهما،إذا لم يستوجب ذلك فتنة وريـبة.
هذا ويدخل الشعر فيما يجب ستره،فلا يجوز لها ظهور شعرها أمام الأجنبي،ولا فرق عندنا بين كون الشعر المجعول على رأسها شعرها الأصلي،أو أنه شعر مستعار وضعته على رأسه فإنه يصدق عليه حينئذٍ أنه من الزينة.
هذا وجواز كشف الوجه مشروط بأن لا يحتوي على شيء من الزينة،فإن كان محتوياً على شيء من ذلك كان كشفه محرماً،ولذا لو وضعت على وجهها بعض مساحيق التجميل لم يجز لها كشف وجهها.
بل حتى بعض الأمور الضرورية التي تحتاجها المرأة كالنظارة الطبية لو عدت في نظر العرف أنها من الزينة لوجب على المرأة ستر وجهها حين لبسها.
نعم يجوز كشف الوجه حتى مع كون المرأة مزيلة لشعر الوجه،ومصففة للحواجب،شرط أن تكون آمنة من الوقوع في الحرام،وعدم كون قصدها من إبداء وجهها وقوع النظر المحرم عليها،وكذا يجوز لها كشفه مع كونها واضعة لكحل في عينيها،ما دامت تأمن من الوقوع في الحرام.
وكذا يجري الكلام بالنسبة لستر اليد،فلا يجوز كشفها في صورة احتوائها على شيء من الزينة كالحناء.
أما لبس خاتم الذهب مثلاً أو السوار،مع الأمن من الوقوع في الحرام،فجائز،وأما إذا لم تأمن ذلك،أو كان هناك احتمال وقوع النظر المحرم عليها،لم يجز لها إبدائهما.
ومما يجب على المرأة ستره أيضاً القدمين،فيجب عليها تغطيتهما بما يسترهما عن الأجنبي،فلا يمكن من النظر إليهما،وقد عرفنا فيما تقدم أن سترهما لابد أن يكون ستراً حقيقياً فلا يكفي الستر بالجورب الشفاف مثلاً.
أخوة الزوج:
هذا ويعتبر من مصاديق الأجنبي الذي يجب التستر عنه تستراً كاملاً،أخوة الزوج،وزوج الأخت،فحكمهما حكم بقية الرجال الأجانب من جهة لزوم التستر عنهما فيما يجب عليها ستره عن الرجل الأجنبي،ولهذا لا يجوز لها أن تمشي أمامهما من دون أن تلبس جورباً،حتى لو كانا متشرعين لن ينظر لها بريـبة.
صوت المرأة:
يجوز للمرأة أن تـتحدث مع الأجنبي،أو أن تسمعه صوتها،بقدر الضرورة،من دون إثارة وخوف الفتنة.
أما لو كان بكيفية مثيرة أو كان هناك خوف من الوقوع في الفتنة،فإنه يحرم تكلمها مع الأجنبي،أو إسماعه صوتها.
نعم لا يجوز لها ترقيق الصوت وتحسينه على نحو يكون عادة مهيجاً للسامع،حتى لو كان السامع من محارمها.
نعم الأفضل والأحسن لها أن تـترك التكلم مع الأجنبي أو أن يسمع صوتها،أكثر من مقدار الضرورة،من دون إثارة وخوف الفتنة،خصوصاً إذا كانت المرأة شابة.
ستر الوجه:
قلنا أن مسألة ستر الوجه من المسائل الخلافية بين علمائنا،حيث يحتاط بعضهم بلزوم ستر الوجه،ويفتي آخرون بجواز كشف الوجه،بقيد أن لا يكون هناك فتنة وريـبة.
وعلى هذا إذا كان كشف الوجه،أو كشف بعضه،كبروز العينين مثلاً، يؤدي إلى حصول الفتنة والريـبة،فلا ريب في حرمة كشفه.
وكذا لو أدى كشف الوجه إلى فساد المرأة،فإنه يجب عليها ستر الوجه ويحرم عليها كشفه.
الخروج من المنـزل بالعطر:
ويجوز للمرأة أن تخرج من بيتها لبعض شؤونها متعطرة بحيث يشم عطرها الرجال الأجانب عنها،لكن لابد من توفر شرط لجواز ذلك وهو:
أن لا يؤدي خروجها كذلك إلى إثارة افتـتان الرجال الأجانب بها،وأن لا يكون تعطرها بقصد إثارتهم وافتـتانهم.
التصوير:
يحصل أحياناً أن تقوم بعض النساء بالتصوير،ويتم تحميض الفيلم من قبل رجل أجنبي عنها،فإن كان المحمض للفيلم لا يعرف النساء،جاز ذلك لهن،أما لو كان المحمض له يعرفهن،فلا يجوز لهن البروز أمامه في الصور دون الحجاب الشرعي.
نصيحة:
ذكرنا في مطاوي ما تقدم من هذا البحث،مجموعة من المسائل الشرعية،لكننا نوجه عناية الأخت المؤمنة،إلى أنه ينبغي عليها أن تراعي قدر المستطاع جنبة الحيطة والحذر،وأن تركز قدر المستطاع في تشخيص الموضوع،حذراً من الوقوع في الشبهة.
خصوصاً وأن بعض هذه المواقف،وإن كانت جائزة شرعاً،لكنها قد تكون منافية للعفة التي تسعى لها تلميذة الزهراء(ع)،والمقتدية بها،في أمور دينها ودنياها.
الستر الصلاتي
ذكرنا في ما تقدم،أن الستر عندنا ينقسم إلى قسمين،ستر واجب لنفسه،وقد تقدم الحديث عنه،وستر واجب لغيره،وقلنا بأنه الستر الذي يجب من أجل الصلاة،وقد حان الآن وقت الحديث عنه.
لباس المصلي:
يشترط في الثوب الذي تريد المرأة الصلاة فيه أن يكون مشتملاً على مجموعة من الشروط:
الأول:أن يكون ساتراً للعورة العامة لدى المرأة:
وهي تعني جميع الجسد،ما عدا الوجه،وهو الوجه العرفي،الذي لا يستر عادة بالحجاب،ويكون بارزاً من تحت الخمار،وقد يحدد أيضاً بما يجب غسله في الوضوء كما هو رأي بعض العلماء، والكفين، والقدمين ظاهرهما وباطنهما.
هذا وينبغي ستر شيء من أطراف هذه المستـثنيات من باب المقدمة العلمية،لإحراز تحقق التكليف بلزوم الستر في غيرها.
كما يجب على المرأة ستر رقبتها حال الصلاة،وما يكون تحت ذقنها،بل الأحوط استحباباً ستر المقدار الذي يرى عادة منها عند لبس الحجاب الشرعي.
ولا يخـتص وجوب الستر هنا عن خصوص الناظر المحترم من الأجانب،بل يشمل الزوج والمحارم أيضاً فيجب على المرأة أثناء صلاتها ستر تمام جسدها حتى عن الزوج والمحارم،وبعبارة أوضح،ليس وجوب الستر هنا مخصوص بما إذا كان في المقام أجنبي فلا يجب الستر إذا لم يكن،بل وجوب الستر في حالة وجود الأجنبي وعدمه.
بل يجب عليها أن تستر عورتها العامة حتى لو لم يكن هناك ناظر أيضاً كما لو كانت موجودة في حفرة تحجب النظار عنها،أو كانت في غرفة ليس فيها أحد سواها.
نعم هذا الشرط،غير معتبر في الصبية التي لم تبلغ بعد،فيصح لها الصلاة حتى لو كانت مكشوفة الرأس والشعر والعنق،دون غير ذلك من الجسد.
ثم إنه لو كان هناك ناظر ينظر للمرأة أثناء صلاتها،وجب عليها ستر وجهها وكفيها وظاهر قدميها،بناءاً على وجوب ستر الوجه والكفين،ولو احتياطاً،وإلا وجب ستر ظاهر القدمين فقط،لجواز كشف الوجه والكفين،ومن الواضح أن ذلك ليس من أجل الصلاة،بل من أجل الحجاب،كما عرفنا،لكنها لو لم تفعل لم تبطل صلاتها.
نوع الساتر:
لا يشترط في الساتر المستخدم للصلاة،نوع خاص من الثياب المنسوجة مما يسمى بالثياب،بل يكفي كل ما يصلح للستر ولو لم يكن منسوجاً أو مخيطاً،كالصوف قبل نسجه،وقطعة القماش قبل خياطتها،وجلد الحيوان المحلل الأكل ونحوها.
نعم يشترط في الثوب المستخدم في عملية الستر أن لا يكون رقيقاً بدرجة تحكي البشرة وتبرزها،بحيث يراها الناظر من خلاله واضحة معاينة.
هذا ويجوز للمرأة أن تصلي في ثياب الرجل،وإن كان ذلك محرماً إذا صدق عليه عنوان لباس الشهرة،لكن الصلاة تكون صحيحة.
ثم إن هذا الشرط لا يفرق فيه بين أن تكون الصلاة واجبة،أو نافلة،بمعنى أنه يشترط ستر العورة لكل صلاة،مستحبة وواجبة.
الشرط الثاني:طهارة لباس المصلي عن كل نجاسة:
من النجاسات التي تذكر عادة في باب النجاسات،ويعبر عنها بالأعيان النجسة.ولا فرق بين كون الصلاة مستحبة،أو واجبة،بل يعتبر طهارته أيضاً بالنسبة لقضاء الأجزاء المنسية من الصلاة.
وهذا الشرط يعتبر في كل ما تلبسه المرأة،سواء الثوب الذي يحقق الستر الفعلي والمباشر للعورة،أو غيره من الثياب الزائدة التي تلبسها،كما لو صلت المرأة في عباءتها،وكان عليها تحت العباءة فستان مثلاً،فيعتبر في الساتر الفعلي للعورة المباشر وهو العباءة الطهارة،كما يعتبر ذلك أيضاً في الفستان الذي تحتها.
نعم ما لا يصلح لستر العورة لا يشمله هذا الحكم،فيكون مستثنى من اشتراط هذا الشرط،وذلك مثل الجورب وما شابه.
ما يعفى عنه النجاسة في الصلاة:
هذا وتوجد حالات ورد الترخيص فيها،ببقاء النجاسة،بمعنى أن وجودها لا يكون مضراً،ولعل ذلك نوعاً من التسهيل على المكلفين،وتلك الموارد هي:
1-دم الجروح والقروح:
فيعفى عن الدم النازف من الجرح أو الحرق أو الدمل أو غيرها طوال فترة النـزف،وذلك حتى ينقطع الدم ويصبح ممكن التطهير من دون أن يتسبب التطهير في فتح الجرح وتجدد جريان الدم منه،وهذا هو معنى انقطاع الدم انقطاعَ برء.
هذا وإنما يعفى عن الدم في خصوص لزوم المشقة والحرج من إزالته وتطهيره عند معظم الناس،وهي ما تسمى بـ(المشقة النوعية)،ولو لم يكن ثمة حرج ومشقة على نفس الشخص.
ولابد من أن يكون الجرح مما يعتد به في حجمه وبلاغته،فلا يعفى عن دم الجروح الطفيفة والصغيرة التي لا يطول نزفها ويسرع برؤها.
ثم إن الذي ذكرناه من العفو عن دم الجروح لا يفرق فيه بين كون الجرح ظاهراً أو باطناً،مثل نزف البواسير،أو الرعاف إذا كان النـزف نجم عن قرح أو جرح في الأنف.
وبناءاً على العفو عن دم الجروح تجوز المبادرة إلى الصلاة حتى مع العلم بحصول البرء بعد فترة من الزمن وسعة الوقت،ولا يمنع من العفو كون دم الجروح والقروح مختلطاً بمثل القيح والدواء ونحوهما،فإن جميع ذلك معفو عنه.
2-الدم القليل:
فيعفى عن كل دم تقل مساحة انتشاره عن سعة الدرهم،والأحسن أن يكون بمقدار عقد الإصبع السبابة،وهي المجاورة للإبهام.
ولا فرق بين أن يكون هذا الدم على الملابس،أو على البدن،كما لا فرق أيضاً بين كونه من دم ذي النفس السائلة،أو من غيره.
نعم لا يدخل في العفو عن الدم القليل،دم الحيض والإستحاضة والنفاس،ولا يعفى أيضاً عن دم نجس العين،كالكلب والخنـزير،ولا عن دم الميتة،ولا عن دم ما لا يؤكل لحمه حتى لو كان يسيراً.
كما لا يعفى أيضاً عن الدم الذي يكون مختلطاً بغيره،من قيح أو دواء أو ماء.
3-الثوب الذي لا يستر العورة:
فيعفى عن نجاسة الثوب الذي لا يصلح وحده لستر العورة،كمثل الجورب والقلنسوة والحزام والمنديل،وغير ذلك.
نعم لا يشمل العفو ما يكون متخذاً من أجزاء الميتة،أو من أجزاء نجس العين كالكلب والخنـزير،أو من أجزاء حيوان محرم الأكل،بل لا يعفى عنه أيضاً إذا علق عليه شيء من الفضلات النجسة لغير المأكول أو شيء من أجزائه،كمثل الشعرة من الهر،أو مثل أجزاء من غائطه.
4-المحمول النجس أو المتنجس:
يعفى عن المحمول النجس أو المتنجس كما إذا جعلت ثوب ولدها المتنجس في يدها،أو جعلته في جيبها،سواء كان مما تـتم فيه الصلاة أو من غيره،كالقلم والكتاب والساعة،والمنديل،ونحوها،بلا فرق بين أنواع النجاسات،بما في ذلك الميتة.
5-ثوب المربية:
ومما يعفى عن اشتراط الطهارة فيه أثناء الصلاة،ثوب المربية،سواء كانت أماً للطفل أم كانت مربية له فقط،حتى لو كانت تربيه بتبرع منها،ودون مقابل.
ولا فرق في الحكم في الطفل بين كونه ذكراً أو أنثى،نعم يشترط في الحصول على العفو توفر أمرين:
الأول:أن تقوم المربية بغسله في كل يوم مرة واحدة آخر النهار،لتصلى فيه الظهرين والعشائين مع الطهارة،أو مع خفة النجاسة،فإن لم تقم بغسله كما ذكرنا،كانت الصلوات الواقعة مع النجاسة باطلة.
الثاني:أن يكون ثوبها منحصراً في خصوص هذا الثوب،الذي أصابته النجاسة،أو أن يكون لديها عدة أثواب،لكنها تحتاج إلى لبسها جميعاً.
نعم لا يشترط أن لا تكون متمكنة من تحصيل ثوب طاهر،ولو من خلال الشراء،أو الإستيجار،أو الاستعارة.
حالة الاضطرار:
يعفى عن كل نجاسة في البدن في حال الاضطرار،وذلك عندما لا يتمكن من تطهير بدنه أو تحصيل ثوب طاهر للصلاة فيه،لمرض يمنعه عن نزعه،أو برد شديد يشق عليه تحمله،أو لفقدان الماء،أو لغير ذلك من أسباب الاضطرار والحرج،فيصلي فيه،ولا يصلي عارياً إذا كان الساتر منحصراً في خصوص الثوب المـتنجس.
وينبغي أن يلاحظ أن جواز الصلاة في الثوب المـتنجس مشروطة بإحراز عدم زوال العذر في وقت الصلاة،وإلا وجب عليها الانتظار إلى حين التمكن من الصلاة مع الطهارة.
ثم لو صلت المرأة بالثوب النجس،ثم صادف ارتفاع العذر،فلا يجب عليها الإعادة في الوقت،ولا القضاء خارجه.
بين الثوب والبدن:
إذا تنجس موضعان،واحد من بدنها،والآخر من لباسها،ولم تجد ماء إلا ما يكفي لتطهير أحدهما،فيلزمها أن تقدم تطهير البدن على الثوب.
أما لو تنجس موضعان عندها من شيء واحد،كأن كانا في بدنها،أو في ثوبها،فعليها أن تقوم بتطهير الأوسع منهما مساحة،والأشد نجاسة،فمثلاً لو كان على ثوبها فرضاً دم في موضعين،أحدهما دم شاة،والآخر دم كلب،فإن كانا في مستوى واحد،تخيرت بينهما،وإن كان أحدهما أوسع مساحة قدمته على الآخر.
الشرط الثالث:إباحة لباس المصلي:
وقد اختلف العلماء في اعتبار هذا الشرط،حيث يعتبره بعضهم بنحو الفتوى،بينما يحتاط البعض الآخر في اعتباره،وقد سبق وذكرنا أن ذلك يعود لمسألة اجتماع الأمر والنهي،وجعلنا هذه المسألة توضيحاً لذلك المطلب.
ثم إن هذا الشرط،يكفي تحققه في خصوص ما يكون ساتراً للبشرة،فما كان زائداً عليه لا يعتبر فيه ذلك.
الشرط الرابع:أن لا يكون الساتر من أجزاء الميتة التي تحلها الحياة:
بلا فرق بين ميتة مأكول اللحم،وغيره.
الشرط الخامس:أن لا يكون الثوب مصنوعاً من جلد أو شعر ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات سواء السباع منها،كالأسد،أو غير السباع،كالفيل.
وقد جعل بعضهم هذا الشرط مخصوص بالسباع،فقال أن لا يكون متخذاً من السباع.
ويعود الاختلاف بين القولين إلى الاختلاف في موثقة عبد الله بن بكير،حيث يعتمد عليها من قال،بأن لا يكون من أجزاء الميتة،بينما من قال،بالتخصيص بالسباع،فإنه يسقطها عن الاعتبار.
وهذا الحكم لا يشمل الحيوان الذي لا يؤكل لحمه وليس له نفس سائلة،فتجوز الصلاة في الحزام الذي يكون مصنوعاً من جلد الأفعى.