س:ذكرت عدة أراء حول بعض الأشخاص الذين يرجعون للحياة بعد الموت لنصرة الإمام المنـتظر المهدي(عج)وقد اختلف في كيفية رجعتهم،إذ قيل أنه رجوع بالجسد،كما خلقوا أول مرة،ويستشهد لذلك بما جاء في دعاء العهد:فأخرجني من قبري مؤتزاً كفني،وقيل أنه رجوع في قالب مثالي،بمعنى أنها ليست رجعة حقيقة،كما عن المفكر الإسلامي الشهيد مطهري،ويستشهد لذلك بنصرة الملائكة للنبي وصحبه يوم غزوة بدر،بربط قلوب المؤمنين،وبث الخوف والرعب في قلوب المشركين.
فأي الآراء هو الأقرب للصحة؟نرجو منكم الشرح الوافي،مع الاستدلال بالنصوص،وذكر المصادر إن أمكن؟……
ج:لا كلام في ثبوت الرجعة في الجملة،بل جاء في بعض الكلمات أنها من ضروريات المذهب،إذ صرح الشيخ الحر العاملي(ره)في الإيقاظ من الهجعة حيث قال:إن ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنفين المشهورين،بل يعلم العامة أن ذلك مذهب الشيعة[1].
هذا والظاهر أن الأخبار الواردة في الرجعة متواترة،بل قيل أنها متواترة جداً كما أشار لذلك الشيخ المظفر(قده)في كتابه عقائد الإمامية.
وصرح به أيضاً الشيخ الحر في كتابه المشار له سابقا،فإنه بعد نقل النصوص،قال:فهذه جملة من الأحاديث التي حضرتني في هذا الوقت مع ضيق المجال عن التـتبع التام وقلة وجود الكتب التي يحتاج إليها في هذا المرام،ولا ريب في تجاوزها حد التواتر المعنوي-إلى أن قال-ولعل ما لم يصل إلينا في هذا المعنى أكثر مما وصل إلينا[2].
وجاء عن غواص بحار النوار العلامة المجلسي قوله:وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء يمكن دعوى التواتر مع ما روته كافة الشيعة خلفاً عن سلف[3].
وجاء في الميزان للعلامة الطباطبائي(ره):إن الروايات متواترة معنى عن أئمة أهل البيت حتى عدّ القول بالرجعة عند المخالفين من مختصات الشيعة وأئمتهم من لدن الصدر الأول[4].
هذا وقد يشكل في الرجعة من جهة الإمكان فيقال،بأنها غير ممكنة،ولا يمكن أن تقع؟…
لكن هذا الإشكال يمكن جوابه،فيقال:لقد وقعت الرجعة في الأمم السابقة كما نص على ذلك القرآن الكريم،قال تعالى:- (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى الله هذه بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال اعلم أن الله على كل شيء قدير)[5].
فهذه الآية صريحة،في أن المذكور فيها مات مائة سنة ثم أحياه الله وبعثه إلى الدنيا وأحيا حماره.
وقال تعالى:- (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم موتوا ثم أحياهم…)[6].
وقد وردت نصوص بأنهم كانوا سبعين ألفاً فأماتهم الله مدة طويلة،ثم أحياهم فرجعوا إلى الدنيا وعاشوا أيضاً مدة طويلة.
وقال تعالى:- (…وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وظلّلنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم…)[7].
وغير ذلك من الآيات،فإن أدل دليل على إمكان شيء وقوعه،فيعلم من وقوعها في الأمم السالفة بطلان ما يتخيل من استحالتها.
نعم الممنوع عنه هو التناسخ الذي هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن البدن الأول.
وليست الرجعة كذلك لأنها من نوع المعاد الجسماني،ومعناه رجوع النفس إلى البدن الأول بمشخصاته النفسية،وإنما الفرق بين المعاد والرجعة هو أن الرجعة عود ورجوع موقوت في الدنيا،والمعاد هو عود ورجوع في الآخرة.
ثم إن الأخبار التي تواترت الأخبار بوقوعها في الأمة الإسلامية،تقع بعد ظهور الإمام المنـتظر المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
ثم إن المرجوعين(الراجعين)هم الأشخاص وذواتهم لا رجوع أوصافهم ودولتهم،فإنه أجنبي عن صريح الأخبار وحقيقة الرجعة.
ثم إن الأخبار على طوائف:
منها:ما يدل على رجوع من محض الإيمان محضاً،ومن محض الكفر محضاً،وعن الشيخ الجليل أمين الدين الطبرسي في تفسيره القيم مجمع البيان عند قوله تعالى:- (ويوم نحشر من كل أمة فوجاً)أنه قال:قد تظاهرت تلك الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد(ع)في أن الله سيعيد عند قيام المهدي(ع)قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونـته ويـبتهجوا بظهور دولته،ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينـتقم منهم،وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدي شيعته،والذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته[8].
وروي في مختصر البصائر عن أبي عبد الله(ع):إن الرجعة ليست بعامة وهي خاصة،لا يرجع إلا من محض الإيمان أو محض الشرك محضاً.
ولذا قال العلامة المجلسي(ره):والرجعة عندنا يخـتص بمن محض الإيمان ومحض الكفر،دون من سوى هذين الفريقين[9].
ومنها:ما تدل على رجعة رسول الله والأئمة(ع)روى سعد بن عبد الله في مختصر البصائر على ما نقل عنه الحسن بن سليمان بن خالد عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين عن البزنطي عن حماد بن عثمان عن بكير بن أعين قال:قال لي من لا أشك فيه يعني أبا جعفر(ع):إن رسول الله(ص)وأمير المؤمنين(ع)سيرجعان.
وعن أبي عبد الله الصادق(ع):ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ويستحل متعتنا.
وفي الزيارة الجامعة الكبيرة:فثبتني الله أبداً ما حيـيت على موالاتكم……..وجعلني ممن يقتص آثاركم ويسلك سبيلكم ويهتدي بهديكم ويحشر في زمرتكم ويكر في رجعتكم.
وفي زيارة المولى أبي عبد الله(ع):أشهدكم أني بكم مؤمن وبإيابكم موقن.
وغير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في هذا المجال.
ومنها:ما يدل على رجعة بعض أشخاص الأئمة(ع)كأمير المؤمنين،فعن أبي بصير عن أبي عبد الله في حديث:أن رسول الله(ص)قال لعلي(ع):يا علي إذا كان في آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك.
وكالحسين بن علي(ع)،ففي مختصر بصائر الدرجات عن المعلى بن خنيس وزيد الشحام عن أبي عبد الله(ع)قالا:سمعناه يقول:أول من تكر رجعته في رجعته الحسين بن علي(ع)يمكث في الأرض حتى يسقط حاجباه على عينيه.
إلى غير ذلك من النصوص والأخبار الواردة في هذا المجال.
ومنها:ما يدل على رجعة الأنبياء،فعن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله(ع)في قوله تعالى:- (وإذ أخذ الله ميثاق النبيـين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنـن به ولتنصرنه)قال:ما بعث الله نبياً من لدن آدم وهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا فينصر رسول الله(ص)وأمير المؤمنين.
ومنها:ما يدل على رجعة الخواص من الشيعة،ففي كتاب الغيـبة لشيخ الطائفة عن المفضل بن عمر قال:ذكرنا القائم(ع)ومن مات من أصحابنا ينـتظره،فقال لنا أبو عبد الله(ع):إذا قام أتى المؤمن في قبره،فيقال له:يا هذا إنه قد ظهر صاحبك،فإن شئت أن تلحق به فالحق،وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فاقم.
ومنها:ما يدل على أن لعلي(ع)كرات ورجعات،روى في مختصر البصائر عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر(ع)قال:قال أمير المؤمنين(ع)….وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة،وأنا صاحب الكرات والرجعات،وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيـبات،وأنا دابة الأرض وأنا صاحب العصا والميسم.
وإلى غير ذلك من أصناف أخبار الباب،يجدها المتـتبع في الكتب الحديثية.
هذا وقد تأول بعض علماءنا ما ورد في الرجعة،فلم يقبل بحمل النصوص على ظواهرها،وأن مفادها وقوع الرجعة إلى الدنيا،بل قال أن مفاد هذه النصوص عبارة عن رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت،بظهور الإمام المنـتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء،من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتى.
وقد عرفت مما تقدم في عرض طوائف النصوص أن النصوص تأبى هذا الحمل،فلا محيص من إبقائها على ظواهرها.
هذا ويعد القول بالرجعة عند أهل السنة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها،وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها وعدم العمل بها.
ويـبدو أنهم يعدونها بمنـزلة الكفر والشرك،بل أشنع،فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تنبز به الشيعة الإمامية ويشنع عليهم به.
ومن الواضح أن هذا تهويل وتكبير للموضوع وإعطائه أكبر من حجمه الحقيقي،حيث أن الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد ولا في عقيدة النبوة،بل يؤكد صحة العقيدتين،إذ الرجعة دليل على القدرة البالغة لله تعالى،كالبعث والنشر،وهي من الأمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة لنبينا وآل بيته(ع)وهي عينا معجزة إحياء الموتى التي كانت للمسيح(ع)بل أبلغ هنا لأنها بعد أن يصبح الأموات رميماً.
بقي أن نشير في الختام إلى أن الرجعة ليست من الأصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها،وإنما اعتقادنا بها كان تبعاً للآثار المعتبرة الواردة عن طريق آل البيت(ع)الذين ندين بعصمتهم من الكذب،وهي من الأمور الغيبية التي أخبروا عنها ولا يمتنع وقوعها.
هذا وقد ظهر من النصوص التي قدمناها في مطاوي البحث أن الصحيح هو كون الرجعة تحصل بعود الجسد الذي كان سابقاً موجوداً،لأنه كالمعاد الجسماني.
مضافاً إلى أن معنى الرجعة هو:عود البدن إلى الدنيا بعد الموت،بعد ظهور القائم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء،بمعنى أن الله يعيد أرواح بعض المخلصين إلى أبدانهم ليفوزوا بنصرته(ع).والله العالم بحقائق الأمور.
——————————————————————————–
[1] الإيقاظ من الهجعة ص 60.
[2] المصدر السابق ص 391.
[3] بحار الأنوار ج 53 ص 123.
[4] تفسير الميزان ج 2 ص 110.
[5] سورة البقرة الآية رقم 259.
[6] سورة البقرة الآية رقم 243.
[7] سورة البقرة الآية رقم 57.
[8] مجمع البيان في تفسير القرآن.
[9] بحار الأنوار ج 53 ص 137.