سكينة بنت الحسين (عليهما السلام)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
734
0

قال الإمام الحسين(ع): وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى، فلا تصلح لرجل[1].

مدخل:

لم يختلف حال سليلة البيت العلوي السيد الطاهرة سكينة بنت الإمام الحسين(ع) عن بقية أفراد هذه الأسرة المباركة، فكما وجهت التهم لجدها الأكبر أبي طالب(ع)، فأدعي عليه أنه مات كافراً، وقيل في شأن جدها أمير المؤمنين(ع) ما قيل، وقد كان يلعن على المنابر، وصودرت دعوة الحق في نهضة أبيها المباركة، ووسمها بعض معاصريه من المرتزقة ووعاظ السلاطين بحركة  خارجي خرج على سلطان زمانه، وأمام أمره، فحق أن يقتل بسيف جده. واستمرت تلك التهمة الموجهة على فترة الاستشهاد الأولى، لتطاول الزمن، فتتكرر اليوم، ونسمع بعض الناعقين ينادي بمثل هذه الأمور. فجرى عليها(ع) ما جرى على من تقدمها من سلفها الطاهر، فلم يقتصر التأريخ في ظلامته لها على إخفاء سيرتها العطرة، وإغماض ذكرها، فلم ينقل لنا عنها شيئاً يذكر، حتى لفق لها تهماً وأباطيل كاذبة، أقرب منها إلى الخيال عن التصديق والواقع، فبينما يحدث بعض المؤرخين عن زيجات يقشعر لها البدن، ويندى لها الجبين نجد من يسلب عنها سمتها الهاشمية، ووقارها العلوي، وعفافها الفاطمي، ليجعلها جليسة الشعراء، ومنادمة لهم، تستمع للغلو، وتقارع اللهو، وتحيي الليالي الحمراء.

وكأن هؤلاء وقد كتبوا ما كتبوا يظنون أن بيان عظمتها لا يكون إلا إذا عرضت بصورة منحلة بعيدة عن كل عفة وشرف، مخدوشة الحياء.
ومن الطبيعي أن هذا يستوجب الوقوف عند من هذه التهم، والسعي الحثيث إلى رفعها والقيام بتصحيح المسار قدر المستطاع، لكي يحفظ للأجيال ما يمكن أن ينير الدرب، ويسوي الأمر فربما تحقق في يوم ما يحقق التصحيح والتقويم إن شاء الله.

وعليه، سوف يكون الحديث ضمن محاور ثلاثة:

الأول: عرض لمحة موجزة عن سيرتها المباركة، وحياتها الطاهرة.
الثاني: النظر في ما ذكر وقيل من كثرة الأزواج، وتعددهم، وبيان الحق في ذلك.
الثالث: النظر في مسألة لقائها بالشعراء ومنادمتها لهم، ومدى صحة ما قيل.

سيرتها الذاتية ومكانتها وفضلها:

إن الحديث عن شخصية جليلة كشخصية السيدة سكينة بنت الإمام الحسين(ع) يستدعي وقوفاً طيلة أمامها والعمد إلى قراءة كل ما صدر منها، ونقل إلينا من سلوكياتها وأفعالها، وبالتالي سوف تكون المحصلة الطبيعية مدرسة سلوكية وقيمية تربوية هادفة يستفيد منها الأجيال على مدى العصور، لكن مما يؤسف له أننا نفتقد إلى أبسط الأمور حول سيرتها الطاهرة ما يجعل الباحث في حيرة، عن السر الذي أدى إلى أن يتجاهل التأريخ مثل هذه الشخصية بما لها من مكانة مرموقة، وسامية.

إلا أنه كما قيل، ما لا يدرك كله، لا يسقط جله، فقد نقل لنا التأريخ نزراً يسيراً يمكن أن تنفتح منه نافذة على سيرتها المباركة، ونضع ذلك في ناحيتين:

الأولى: سيرتها الذاتية:

فهي أبنة الإمام أبي عبد الله الحسين(ع)، أمها الرباب، فتكون شقيقة للرضيع عبد الله(ع) شهيد كربلاء، ولعل في هذا ما يبرر العلاقة الوطيدة التي كانت بينهما، والمشار إليها في كتب المقاتل، والسير.

وقد كانت ولادتها في السنة الثانية والأربعين بعد الهجرة النبوية، وقيل في السنة السابعة والأربعين منها، وهذا يعني أنها لم تحض بمعاصرة جدها بطل الإسلام أمير المؤمنين(ع)، ولم تعايشه أبان خلافته حتى الظاهرية، بل كانت معاصرة لخلافة عمها الحسن السبط المجتبى(ع). وقد كانت وفاتها في السنة السابعة عشر بعد المائة من الهجرة النبوية، وهذا يعني أن عمرها الشريف يوم وفاتها بناءً على أن ولادتها سنة أثنين وأربعين يكون خمسة وسبعين عاماً، أما لو كان تأريخ ولادتها هو السابع والأربعون فسيكون عمرها سبعون عاماً. وسوف يكون عمرها يوم الطف بناءً على التأريخ الأول لولادتها تسعة عشر عاماً، أما لو بني على التأريخ الثاني، فسوف يكون عمرها أربعة عشر عاماً.

وقد وقع الخلاف بين المؤرخين في أسمها، فذكر أن أسمها آمنة، وقيل أن أسمها أمينة، وقيل أن أسمها أميمة، وربما قيل غير ذلك، إلا أن الصحيح من هذه الأقوال أن أسمها آمنة، وقد أشير في بعض المصادر إلى أن ذلك تسمية لها باسم جدتها آمنة بنت وهب(ع)، وتبركاً وتيمناً بها.

ولقبت بأنها سكينة، وقد أختلف في من أطلق عليها هذا الوصف، فذكر أن الواصف لها بذلك هو المولى الإمام الحسين(ع)، وقيل أن من وسمها بهذه السمة هي السيدة الرباب(ع). وكما أختلف في المطلق عليها هذا الوصف، أختلف فيه نفسه، فهل هو بفتح السين، فيكون(سَكينة)، أم أنه بضمها فيكون(سُكينة)، والمتداول على الألسن هو الثاني،، وربما يصر على أن الصحيح هو الأول، إلا أن المتصور صحة كليهما، وأنه لا يفرق بين توصيفها بفتح السين، أو بضمها. والوجه في ذلك:

أما الأول، وهو ما إذا كانت مفتوحة السين، فسوف يكون المقصود منه الهدوء والوقار والطمأنينة والاستقرار، وقد كانت تتصف بذلك كما أشار له الإمام الحسين(ع) في كلمته التي أفتتح بها المقام، حيث قال(ع): وأما سكينة، فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى. فهو(ع) بصدد الحديث عن ما كانت عليه(ع) من الطمأنينة والهدوء والوقار والاستقرار، لأن الوصول لمثل تلك الحالة التي وصفها(ع) لا يكون بدون ذلك.

وأما الثاني، أن يكون أصل الكلمة هو سكن، ويقصد منه مكان السكنى، وتصغيره سكين، ومؤنثه سُكينة، وهذا أيضاً محتمل على أساس أنها(ع) كانت مسكناً لأبيها الإمام(ع)، كما كانت أمها الزهراء(روحي لها الفداء) مسكناً لرسول الله(ص) يأنس به، ويأوي إليه.

الثانية: فضـــلهــــا:

قد يتصور الكثير أن السيد الجليلة سكينة(ع) لا تعدو واحدة من البيت العلوي، إلا أن ذلك لا يعني أن يكون لها وجود متميز يكشف عن فضل ومكانة لها، ومن المعلوم أن مثل هذه التصورات يساعد افتقار المصادر التاريخية لشيء من الحديث عنها، فيكون سبباً فيه.

إلا أننا لو تأمنا النـزر اليسير الذي وصلنا من التأريخ عنها، لتحصلنا على شخصية متميزة تملك فضلاً وامتيازاً خاصاً يجعلها في عداد النساء العظيمات اللاتي نلن منـزلة خاصة، وذكرن بصفة معينة، هذا وما يمكن أن يستشرف منه فضلها أمور:

منها: الرواية الواردة عن الإمام الحسين(ع)، حيث قال: وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله فلا تصلح لرجل[2].
والاستغراق الذي يتحدث عنه الإمام الحسين(ع)، يشير إلى حالة الفناء التام الذي بلغته السيدة الفاضلة، بحيث فنيت في ذات الله تعالى ومحبته، ومن الطبيعي أن الوصول إلى مرحلة الفناء لا تـتسنى لكل أحد، وليس لكل فرد أن يصل إليه، وإنما يكون ذلك لفئة خاصة من الخلق، وهم الذين بلغوا أعلى مراتب اليقين، فإذا بلغ الإنسان أعلى مراتب اليقين، أمكنه عندها أن يعيش حالة الفناء وإلا فلا، ومن الواضح جداً أن الوصول إلى أعلى مراتب اليقين لا يكون إلا للأوحدي من الناس، وهم الذين يريهموا الله سبحانه ملكوت سماوته، وهو الذي أشار إليه تعالى في شأن خليله إبراهيم(ع).

والمتحصل أن حالة الاستغراق تؤول في نهاية المطاف إلى أن ممتلكه قد أوري ملكوت السماوات، وهذا يكشف وجود مكانة عالية في الارتباط والعلاقة مع الله تعالى.
هذا وقد يستشكل في القبول بهذه الرواية، ويطالب برفع اليد عنها، لاشتمالها على ما لا يمكن  الالتـزام به، وهو ما جاء في ذيلها، فلو لم يقل أنه  تحريم لما حلل الله سبحانه، وهو الزواج، لكفى أن يقال بأنه دعوة للرهبانية، كما لا يخفى.

وهذا الإشكال غير وارد، ضرورة أن التعبير الصادر من الإمام(ع)، لا يتضمن تحريماً لحلال أحله الله تعالى، ولا يكشف عن دعوة للرهبانية حتى يقال بما قيل، وإنما الإمام(ع) بصدد بيان أنه لابد وأن يكون بين الزوجين كفاءة في كافة الأمور والمجالات، فلا تنحصر الكفاءة بينهما في الناحية المادية والاجتماعية، بل لابد وأن يتكافئ أيضاً من الناحية الفكرية، وكأنه يقرر(ع) بأن من كانت مشتغلة بربها، ومتعلقة به، فلا ترى شيئاً سواه، تحتاج إلى زوج يكون عوناً لها على ما هي فيه، لا أن تتزوج رجلاً يشغلها عما تعلقت به، وهذا قريب مما جاء في شأن أمير المؤمنين والزهراء(ع)، فقد ورد أنه لو لم يخلق أمير المؤمنين(ع)، ما كان للزهراء(ع) كفواً، ومن الطبيعي أن الحديث ليس من حيث الكفاءة المادية، والاجتماعية، وإنما من حيث الكفاءة المعنوية والفكرية.

والحاصل، ليس في الرواية المذكورة ما يشير من قريب أو بعيد لمنع التزويج، وتحريمه، أو الدعوة للرهبانية كما تصور، فلاحظ.
ومنها: ما ورد على لسان الإمام الحسين(ع) يوم العاشر من شهر محرم الحرام، عند خروجه لملاقاة الأعداء، وهو قوله:
لا تحرقي قلب بحزنك حسرة                  ما دام مني النوح في جثمان
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي                  تـــــــأتي به يا خيرة النسوان

فإن التعبير الوارد على لسانه(ع): يا خيرة النسوان، يشير إلى صفوة النساء، كسيدتي الزهراء(ع)، والحوراء زينب(ع)، ومريم العذراء(ع)، فهو(ع) يجعلها في مصافهم، ويصفه بما يصيرهم قريبة منهم.

ومنها: علاقتها مع الإمام الحسين(ع)، على أساس أنها تمتاز عن بقية أبناء الإمام(ع) بشيء، فضلاً عن خاصيتها عن بقية أخواتها، ويظهر ذلك من خلال عدة موارد، نشير إلى اثنين منها:

الأول: وداع الإمام الحسين(ع) إياها ليلة العاشر، فقد ذكر أرباب السير والمقاتل أنها لم تكن ليلة العاشر في خيمتها، وقد أخذ الإمام(ع) في طلبها، حتى وجدها، وجلس إليها وصار يمسح على رأسها، ذلك أنها قد خرجت من خيمتها، ولم تقدر على وداع المولى(ع)، ومن الطبيعي أن ذلك يعود لما كانت تربطها به(ع) ن علاقة خاصة، فلم تكن لتستطيع وداعه، ومفارقته، فلاحظ.

الثاني: ذكر أرباب السير والمقاتل، أنه في يوم الحادي عشر لما مُرّ بقافلة السبايا على القتلى، كانت(ع) فيمن ألقى بنفسها على الأجساد الطاهرة، وقد ألقت بنفسها على جسد أبيها(ع)، وقد جاء القوم يريدون أن يرفعوها عنه، فلم تقم، فصاروا يضربونها، فقالت: أبه ارفع يدك عني، فقد آلمتني السياط، فإن المستفاد من هذا الخبر أن المولى(ع) كان شابكاً عليها بكلتا يديه، وقد أحتضنها إلى صدره، ومن الواضح أن هذه العناية الخاصة منه(ع) إليها، وضمها إليه في تلك الحالة يكشف عن مزيد علقة وخصوصية منه لها، ولا ريب أن ذلك لم يكن لولا أن لهذه البنت فضلاً خاصاً، فإن الإمام(ع) ما كان ليعطي أحداً امتيازاً وتفضيلاً لو لم يكن ذلك الأحد مؤهلاً وجديراً بذلك الفضل كما لا يخفى.

والحاصل، إن التأمل في الرابط والعلاقة التي بينها وبين الإمام(ع) يستكشف منه فضلها، وعظيم منـزلتها، فلاحظ.

كثرة زيجاتها، ومن هو زوجها:

من الأشياء التي تظهر جلية وواضحة في سيرة هذه السيدة الجليلة، أنها اختصت من دون أفراد الأسرة العلوية بتهمة تعدد الأزواج، وقد ذكرت قوائم في تعداد أزواجها، فهناك قائمة لأبي الفرج الأصفهاني، وهناك قائمة أخرى لابن سعد في طبقاته، كما أن ابن خلكان له قائمة ثالثة، وأما القائمة الاربعة فلسبط ابن الجوزي، وقد يجد القارئ في التاريخ قوائم أخرى.
وقد تضمنت كل قائمة من تلك القوائم أسماء متعددة، فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني أنها تزوجت من عدة أزواج، أولهم عبد الله بن الحسن بن علي وهو ابن عمها، ومصعب بن الزبير، وعبد الله بن عثمان الحزامي، وزيد بن عمرو بن عثمان، والأصبغ بن عبد العزيز، ولم يدخل بها، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ولم يدخل بها[3]. 

وقد اختلفت قائمة أبي الفرج التي ذكرناها عن قائمة ابن سعد، وكذا عن قائمة ابن خلكان، وأيضاً عن قائمة سبط ابن الجوزي، إذ أن النسبة بين القوائم وبينها هي نسبة العموم والخصوص من وجه، على أن نفس القوائم الثلاثة الباقية بينها اختلاف، فليست متفقة في ما بينها، نعم تتفق القوائم الأخرى تقريباً في أنها قد عرفت ستة من الرجال.

وإن أول ما يلحظه الناظر في تلك القوائم، أنها تنتهي إلى رواة زبيريـين، فإن راويها هو الزبير بن بكار، يرويها عن عمه مصعب الزبيري، وهذا يوجب التوقف فيها، لو لم يكن موجباً لرفع اليد عنها واسقطاها عن القبول، فإن قراءة تأريخ آل الزبير، وعلاقتهم بالبيت العلوي، تكشف عن عدم قابلية الركون لمثل هذه الإخبارات، مضافاً إلى سيرتهم في الكتب الرجالية، فإن أهل الرجال يذكرون ضعفهما، وكذبهما وانحرافهما عن أمير المؤمنين(ع)، والعائلة العلوية، فلاحظ.

مع أن المنقول تاريخياً أن الإمام زين العابدين(ع) قد رفض تزويجها من مصعب بن الزبير، والمعروف أنها(ع) لم تغادر دار الإمام زين العابدين(ع) منذ دخلت إلى أرض المدينة المنورة بعد واقعة كربلاء المقدسة، مضافاً إلى أن تزوجها من أحد أفراد الشجرة الملعونة يتنافى وسيرة أهل البيت(ع) كما لا يخفى.

والتبرير بأن تزويجها منه كان بصورة قهرية، اضطر فيه الإمام زين العابدين(ع) إلى ذلك، لا وجه له، فإن عبد الله بن الزبير أحكم سيطرته على خصوص العراق، ولم تكن له سيطرة على الحجاز، حتى يجبر الإمام(ع) على القيام بتـزويجه بكريمة هاشمية بصورة قهرية.

هذا ولو استطردنا في تعداد بقية من جاء في تلك القوائم، فإننا لن نخرج بأكثر مما ذكرنا، فالرواة زبيريون، ودواعي النسبة التقليل من شأن البيت العلوي، ومحاولة إعطاء آل الزبير ومن انتسب إليهم شأناً ومكانة ورفعة.

هذا وقد يضاف لأسماء القوائم المذكورة أسماً لم يذكر فيها، وهو زواجها من القاسم بن الإمام الحسن السبط(ع)، والظاهر أن موجب هذا يعود للتمسك برواية زواج القاسم بن الحسن(ع) بأرض كربلاء، إلا أنه لا يوجد في رواية الزواج ذكراً لها من قريب أو بعيد، فإن الذاكرين لتلك الرواية، لا يسمون البنت المعقود عليها، بل إن الوارد فيها أنه(ع) عقد له على ابنته المسماة له، وليس سكينة، نعم هذا ما يتداول في الأشعار على ألسنة الخطباء، زاد الله في توفيقهم، فلاحظ.

نعم الثابت عندنا تاريخياً أنها قد تزوجت من ابن عمها عبد الله بن الحسن السبط(ع)، وقد استشهد عنها يوم واقعة كربلاء، وأمه رملة فهو الأخ الشقيق للقاسم بن الحسن(ع)، وقد نص على ذلك في كلام أبي الفرج الأصفهاني، والعمدة في ما ذكرنا ما أشير إليه في كلمات المؤرخين الأمناء من أمثال أبي الحسن العمري في كتاب المجدي في أنساب الطالبين[4]، وشيخنا الطبرسي(ره) في أعلام الورى بإعلام الهدى، والسيد الأمين في أعيان الشيعة[5]، والشيخ القمي في منتهى الآمال[6].

لقاءها مع الشعراء، واستماعها الغنــاء:

وهذه هي التهمة الثانية التي وجهها أبو الفرج الأصفهاني إلى مولاتنا الطاهرة السيدة سكينة بنت الإمام الحسين(ع)، حيث ذكر اجتماع الشعراء في بيتها للضيافة، وأنهم قد حضروا عندها، جرير والفرزدق، وكثير والأحوص، وجميل ونصيب، واختصموا في المفاضلة فيما بينهم، وأنها جلست تراهم ولا يرونها، وأخرجت وصيفة لها روت الأشعار فكانت الوصيفة تلقي على سكينة شعر كل واحد منهم، وترجع إليهم بما تعيبه سيدتها[7].

ويكفي لمعرفة مقدار ما في هذا الخبر من الكذب أن تعرف أن أبا الفرج مرواني الهوى والانتماء، فكيف يتصور من مثله أن يحدث في شأن آل الرسول(ص)، لأن من الطبيعي ألا يجتمع أمران متنافران في مكان، فلا يجتمع حب آل البيت(ع)، وجدهم المصطفى(ص)، وآل مروان. مضافاً إلى أن هذه الأخبار ضعاف الأسناد، ويمكن للقارئ العزيز متابعة أحوالهم في كتب الرجال، فلاحظ.

على أننا لو تنـزلنا ورفعنا اليد عن الوضع والضعف السندي الموجود في مثل هذه الأكاذيب التي سود بها أبو الفرج صحائف كتابه، يكفينا أموراً تمنع من القبول بمثل هذا الخبر:
منها: إن هذه النصوص تتضمن الاستماع إلى الغناء، وقد تضمنت الشريعة الغراء النص على حرمته، وحرمة الاستماع إليه، فكيف يتصور بسليلة البيت العلوي، وربيبة الطهارة المحمدية، والعفة الفاطمية أن تكون مستمعة له، أو متعاطية معه.

ومنها: اشتمال النصوص على النظر إلى الرجال الأجانب، مع أن الشريعة المقدسة، قد حرمت ذلك ومنعت عنه منعاً شديداً، وكلنا يستمع لكلمة أمها الزهراء(ع): خير للمرأة ألا ترى الرجال، ولا يراها الرجال، فكيف يتصور ببنت الزهراء(ع) أن تكون ناظرة للرجال، ومشرفة عليهم، إن هذا من العجاب الذي لا يقبله أحد عرف أهل هذا البيت(ع).

وعندما نعود لقراءة الأحداث التاريخية، يمكننا أن نتعرف دواعي وجود هذه الأراجيف والأكاذيب في كلمات أبي الفرج، فإن ذلك يعود إلى صراع سياسي محتدم بين البيت الزبيري وبين آل الرسول(ص)، ولذا عمدوا إلى محاول تقليل شأنهم عند الناس من خلال إبراز أن الهالة القدسية التي يتحلون بها، وما يملكونه من صفات جمى، ليست كما يدعى، بل هم دون ذلك. فجاءت هذه الدعاوى والأكاذيب، فنسبت جليلة من جليلاتهم إلى أنها تنادم الشعراء، وتستمع إلى الغناء، وما شابه ذلك.

ولعمري أن سكينة التي حدثت كتب التاريخ عنها إنما هي سكينة بنت مصعب الزبيرية، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة، ليس هذا أوان ذكرها.

[1] إسعاف الراغبين للصبان بهامش نور الأ[صار ص 102.
[2] إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 102.
[3] الأغاني ج 16 ص 158.
[4] المجدي في أنساب الطالبيــين ص 19 في باب أولاد الحسن بن علي(ع).
[5] أعيان الشيعة ج 5 ص 343.
[6] منتهى الآمال ج 1 ص 683.
[7] الأغاني ج 14 ص 145-167.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة